(أبيع كلماتي حبيباتي).. الفقر يدفع شعراء يمنيين لبيع قصائدهم

(أبيع كلماتي حبيباتي).. الفقر يدفع شعراء يمنيين لبيع قصائدهم

(الأول)  محمد وهبان:

وصل الحال باليمنيين إلى إخضاع الإبداع لسياسة السوق والعرض والطلب، بعد أن ضاقت بهم السبل. فالأوضاع المعيشية الصعبة الناتجة عن تبعات الحرب، أرغمت اليمنيين على هذا الخيار.
ويبدو أن هذا الوضع المأساوي أجبر اليمنيين على بيع أي شيء، لمواجهة الفقر والأزمة الإنسانية التي يعانون منها. حتى لو كانت هذه الأشياء على حساب إبداعاتهم، ودواوين أشعارهم، تمامًا كما يفعل بعض الشعراء اليمنيين حاليًا.
فظروف البلاد أجبرت الشعراء لأعمال أخرى أو بيع قصائدهم وما جادت به قرائحهم الفكرية لصالح بعضًا من أصحاب الأموال الخليجيين. وتستخدم هذه الأعمال للمشاركة في مسابقات أدبية خليجية أو في مناسبات وحفلات التخرج. مما يجعل الشعراء اليمنيين في الظل بينما يحصد آخرون الشهرة والجوائز.

قصائد بثمن بخس
قد تكون مثل هذه الحقائق صادمة لدى البعض، إلا أن ثمة من يتحدث عنها ويكشف تفاصيلها. يقول الشاعر اليمني عبدا لقادر محمد، من تعز أن أحد الخليجيين تواصل معه يطلب قصائد مدفوعة الثمن، واتفقا على كتابة ثلاثين قصيدة.
وأضاف الشاعر اليمني أنه باع القصيدة الواحدة بـ100 ريال سعودي، ورغم المبلغ البخس والحقوق الفكرية الضائعة إلا أنه وافق. وأشار إلى أن القصائد طبعت في ديوان، وشارك به المشتري في إحدى المسابقات وحصل على المركز الأول. وتابع: باركت له وسعدتُ أن قصائدي لم تخيّب ظنه.”
ويواصل عبد القادر: المشكلة ليست في بيع إبداعنا، ولكن المشكلة في الأوضاع المعيشية التي تبيح لنا ذلك للأسف. لافتًا إلى أن الخليجي الذي يشتري قصائده أصر على الاستمرار بعد أول فوز له، وعرض التعاون للمشاركة في مسابقات إضافية. مشيرًا إلى أنه اتفق على اقتسام الجوائز مناصفةً، بحيث يكتب هو القصائد والخليجي يشارك فيها باسمه.
ويعترف عبد القادر أن الظروف المادية التي يمر بها أي شاعر في اليمن هي السبب الأول لانتهاج مثل هذا السلوك. معتبرًا أن المبدعين والشعراء تحديدًا هم أكثر الفئات تضررًا من الواقع الراهن. حيث لا يوجد أي تقدير أو اعتبار لمثل هذه المواهب في المجتمع اليمني.”
وقال: ستجد على منصات التواصل حسابات باسم “قصائد حسب الطلب” لخليجيين يطلبوا قصائد من شعراء آخرين من دول أخرى. يحدث هذا بينما المبدع اليمني لا يجد سندًا مجتمعيًا يأخذ بيده، لا مسابقات تشجعه، أو فعاليات تعطي للشعر قيمة. كما لا يوجد بصيص أمل إلا ما يجده في المسابقات الدولية على ما في تحكيمها من حماقات، حسب وصف عبد القادر.

التعرض للاستغلال
حمزة ذياب شاعر آخر من حجة، اضطر لبيع قصائده لخليجيين، ويقول: في المناسبات الخليجية سواءً الوطنية أو الأعراس، أكتب للخليجيين حسب الطلب. ويشير إلى تعرضه للاستغلال وعدم دفع المبالغ المتفق عليها، رغم أن بعضهم يطلب إنجازها في وقت وجيز، يتطلب جهدًا كبيرا.”
ويوضح ذياب أن بعضهم يتراجع عن طلبه، بعد أن نكون قد اجتهدنا وتعبنا وسهرنا على كتابة القصائد. كما أن الوضع المادي لي وللكثير من الشعراء اليمنيين يجعلنا نضطر للقيام بذلك.

الظروف الصعبة
من جانبه، يرفض الشاعر أبوبكر شداد، من الحديدة، فكرة بيع الإبداع مبدئيًا، ويقول: أنا ضد بيع المبدعين اليمنيين لقصائدهم وإبداعهم. مستدركًا: لكن للأسف، الشاعر اليمني اليوم يعيش في بيئةٍ لا تقدّر الإبداع ولا توفر له مصدر دخل مستقر. فيجد نفسه أمام خيارين: إما أن يبيع قصائده، أو يعيش في فقره.”
ويتابع شداد: صحيح أن هذا الأمر خاطئ. لكنه ليس خطأ الشاعر، بل خطأ الظروف التي تدفعه إلى بيع جزءًا من روحه مقابل لقمة العيش. مشيرًا إلى أن شعراء يمنيين كثر لا يملكون حتى قيمة طباعة دواوينهم، ولا يجدون أي جهة تحتضن موهبتهم. بينما هناك طلب على الشعر من أطراف أخرى مستعدة للدفع بسخاء، فيضطر الشاعر أو الأديب -رغمًا عنه- أن يبيع إبداعه.
ويرى شداد أن الحل أولًا أن يكون هناك دعمًا ماليًا رسميًا للأدباء والكتاب، سواءً من الحكومة أو المؤسسات المهتمة بالأدب. بالإضافة إلى إنشاء منصات تتيح للشاعر بيع أعماله بشروط تحفظ حقوقه، حيث يحصل على دخل دون التنازل عن ملكية أفكاره.

ظاهرة قديمة
بدوره، يبين الناقد محمد الشرعبي أن السرقات كثيرة والاستغلال متجذر، فليس الشعر من يباع فقط حسب وصفه. بل حتى الرسائل والأطروحات العلمية والإنجازات، كلها أصبحت تباع، معتبرًا أنها ليست ظاهرة جديدة، بل هي قديمة، وهناك كتب وقصائد نسبت لغير أهلها، سواءً للتشويه أو من باب التمجيد قديمًا وحديثًا. ويرى الشرعبي أن هذه الظاهرة تضعف هوية الأدب اليمني؛ لأن الإبداع يُباع وينسب لغير أصحابه. ومع الوقت، يفقد الشعراء قيمتهم، ويتحول الشعر إلى سلعة بدلًا من كونه تعبيرًا عن الهوية والثقافة.”
ويدعو الشرعبي خلال حديثه مع «المشاهد» إلى دعم المبدعين وحماية حقوقهم حتى لا يضطروا لبيع إبداعهم. ولكنه لا يمانع من أن يبيع المبدع اليمني قصائده. معللًا ذلك بأن حفظ النفس أولى من حفظ الإبداع؛ فإن لم يفعل ذلك فسيموت جوعًا ولا أحد سينفعه.

الحلول والمعالجات
الناشط مهيب العمري يعتبر أن هذه الظاهرة تؤثر كثيرًا على الأدب والإنتاج اليمني. فيصبح الشاعر غير مكترث بكتابة الإبداع، ويصبح يكتب الكلام العادي الركيك الذي يخلو من الصور الشعرية والجمال اللغوي.
ويقترح العمري الاهتمام بالمبدعين والشعراء؛ لأن الشعر هوية الوطن وصورته بين الأوطان الأخرى. كما ينبغي على وزارة الثقافة إصدار قوانين تحفظ حقوق الشعراء وتمنع استغلالهم، داعيًا إلى إنشاء مؤسسة وطنية تهتم بحفظ وتوثيق الإبداع الأدبي اليمني. بحيث يتم تسجيل الأعمال رسميًا، ولا يستطيع أي شخص نسبها لنفسه. وعمل مشاريع ثقافية مثل دور نشر ومجلات وفعاليات ومسابقات وغيرها دعمًا للأدباء. واختتم: كما يجب توفير المقومات المعيشية للشعراء، كونهم يغذون الأدب اليمني والثقافة اليمنية بإنتاجاتهم.”

عن المشاهد