اللهجات في الأحساء ووادي حضرموت، أوجه الشبه والاختلاف
مسعود عمشوش
اليوم، في وادي حضرموت الواقع جنوب الربع الخالي، وفي محافظة الأحساء الواقعة شمال الربع الخالي في المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية، تستخدم عدد كبير من اللهجات المحلية. ويعود سبب تعدد اللهجات إلى أسباب اجتماعية ومهنية واقتصادية وثقافية وتاريخية.
ومنذ القرن التاسع عشر اهتم عدد من المستشرقين والمستعربين بدراسة اللهجات الحضرمية بوصفها لغات عربية جنوبية أو لهجات؛ فقد قام الكونت السويدي كارلو دي لاندبرج بدراسة لهجة حضرموت ولهجة دثينة في نهاية القرن التاسع عشر، وذلك ضمن ما يسمى بالبعثة النمساوية، التي كان هدفها الرئيس محاولة الكشف عن بعض ما التبس على الغربيين من غموض في كتبهم المقدسة. (انظر كتابنا، لهجة حضرموت في كتابات كارلو دي لاندبرج) وفي نهاية القرن الماضي رافقت الباحثة مارتين فانهوف أثناء قيامها بدراسة ميدانية للهجات حضرموت وأبين، وذلك ضمن اتفاقية مشتركة بين جامعة عدن وجامعة السوربون.
بالمقابل لا يبدو –حسب علمنا- أن هناك من بين الرحالة الغربيين الكثيرين الذين زاروا الأحساء من قام بدراسة جادة للهجاتها. وهناك اليوم قليل من الدراسات عن لهجات الأحساء، قام بها في الغالب باحثون أكاديميون عرب من أقسام اللغة الإنجليزية وليس العربية.
ويقسم بعض هؤلاء الباحثين، مثل أ.د. منيرة الأزرقي (دراسات على لهجة الإحساء)، لهجات الأحساء إلى صنفين: اللهجة الأحسائية المدنية التي تستخدم عادة بين المتعلمين الذين يقطنون مدينتي الهفوف والمبرز المتلاصقتين، واللهجة الأحسائية الريفية التي يتكلمها سكان القرى والضواحي "ذو التواصل البسيط مع الآخرين والذين لم يحظوا بمستوى عالي من التعليم والثقافة". وهناك من يميز في لهجات الأحساء بين لهجات الحضر ولهجات البدو.
لا نزمع في هذه الصفحات تقديم دراسة متكاملة عن لهجات وادي حضرموت ولهجات الأحساء، بل سنكتفي بإبراز بعض أوجه الشبه والاختلاف بينها، فمن المعلوم أن الأحساء تعد تاريخيا مكان مقام ملوك كندة، ففيها، وتحديدا شرقي جبل القارة، يقع حصن المشقر، قصر ملوك كندة. وتعد قبائل كندة اليوم المكون الأول والأصلي لسكان وادي حضرموت.
ومن ناحية أخرى، يشكل التميميون العدنانيون جزءا مهما من سكان شرق وادي حضرموت، وتحديدا سكان المدن والقرى الواقعة شرقي مدينة تريم. ومن المعلوم كذلك أن التميميين يشكلون كذلك مكونا رئيسيا من السكان الأصليين للأحساء. وهناك تشابه كبير بين أسماء المدن والقرى في حضرموت والأحساء، مثل القارة وهجر والقرن. وتجدر الإشارة كذلك إلى أن هناك مواقع أثرية في الأحساء تحتوي على نقوش قديمة كتبت جميعها بخط المسند الجنوبي الذي كانت تكتب به لغة النقوش الحضرمية، لغة مملكة حضرموت القديمة في جنوب الربع الخالي.
أولا-أوجه الشبه والاختلاف في المستوى الصوتي:
أ- قلب الجيم إلى ياء: يبدل الحضارم والحساويون حرف الجيم إلى (ياء)، فجميعهم يقولون مسيد بدلا من مسجد، يمعة بدلا من جمعة، وريَال بدلاً من رجَال، وشير بدلاً من شجر، وويه بدلاً من وجه، و ياهل بدلاً من جاهل. لكن يبدو أن الحساويين، بخلاف الحضارم، لا يقلبون الجيم ياء إلا في الأسماءّ.
ب- قلب ضمير الملكية للمخاطب المؤنث (كاف المخاطبة) إلى شين، فيقولون حقش بدلا من حقك، اختش في مكان أختك.
وتجدر الإشارة إلى ان هذه الظاهرة، التي تسمى كشكشة، قديمة ومنتشرة في معظم مناطق جنوب وشرق الجزيرة العربية. لكن الحضارم لا (يكشكشون) الكاف الذي يأتي في بداية بعض الأسماء مثلما يفعل بعض سكان الأحساء وبعض مناطق الخليج الذين يقولون شلب بدلا من كلب.
ج-ويتميز بعض الحساويين ذوي الأصول البدوية بقلب كاف المخاطب المؤنث إلى (تس)، وتسمى كسكسة. وهناك من يفعل ذلك في حي الرقيقة بمدينة الهفوف، التي يمكن ان تصادف فيها من يقلب كاف المخاطبة إلى جيم فيقول منج بدلا من منْكِ، وعنج بدلا من عنْكِ.
د-وفي لهجات حضرموت والأحساء تنطق القاف بالطريقة البدوية، وهناك من يرى ان الحضارم والحساويين يبدلون القاف العربية إلى جيم ويقولون جال بدلا من قال. لهذا لا يتردد مدرسي اللغة العربية والتلاوة على تذكير الطلبة بضرورة (شق القاف).
ه- ومن الظواهر الصوتية التي تميز لهجة الإحساء عن لهجة حضرموت بروز هاء السكت بعد ياء المتكلم، فهم يقولون: عمتيه في مكان عمتي، وخالتيه بدلا من خالتيه، وهناك من يؤصل هذه الظاهرة التي نعثر على أمثل لها في القرآن الكريم كما في قوله تعالى "وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول ياليتني لم أوت كتابيه". أما في لهجة حضرموت فلا نعثر على أثر لهذه الظاهرة إلا في حرف الجر معي الذي يقلبه بعض أبناء وادي حضرموت إلى معيه.
وبشكل عام تتميز لهجة الهفوف بمد الكلمات الملحق بها ضمير الملكية المتصل الياء بإضافة حرف الألف في نهايتها مثل: داري داريا، نعالي نعاليا.
و- وفي اعتقادي أن أهم سمة للهجة الحضارم في مدينة تريم ونواحيها، وبشكل أكبر للهجة الأحساء تكمن في (مط) الكلمات، أو ظاهرة التفخيم وتطويل أصوات العلة عند اللفظ وإطالة الحروف المتحركة والتشديد في الوقت نفسه. فهم يقولون "حااار والا بااارد؟"، لحم بقااار، طباااخي، موووزة منتاظر، هآذا. ويااآمكن أن نلمس ذلك أيضا عند الاستماع إلى المؤذن وهو يقيم الصلاة. ويرى بعض الباحثين أن استمرارية بروز هذه الظاهرة في الأحساء تعكس رغبة الأجيال الجديدة في تأكيد هويتها المحلية من خلال طريقة كلامها. وهو ما نلمسه خلال مشاهدتنا لحلقات مسلسل (خيوط المعازيب). أو مقطع "حسااااوي وقلبي دااايخ"!!
ولا شك أن الحساويين يمطططون الكلاااام، لكن بشكل جميل وخفيف، وهناك من يحاول تقليدهم مع المبالغة للتهكم بهم، وهو ما يزعجهم. والغريب أن الحساويين، رغم مطهم للكلام، يحذفون أحيانا حروف العلة من وسط بعض الكلمات، فهم يحذفون حرف الواو في منتصف "روح" ويقولون رح، وجب بدلا من جيب. كما أنهم لا يهمزون الكلمات مثل رأس وبئر ويقولون راس وبير. مثل الحضارم.
وفي تريم وقسم، شرقي وادي حضرموت، يمطمغطون الكلام أيضا، ويقولون "بييت قيييييلا" يعني بغيت حنظل. وفي الحقيقة لا يعترف أهل تريم بأنهم يمطون الكلام، ويتهمون الآخرين بالاستعجال، والراااضة من الرحماااان. كما يقولون.
ثانيا- أوجه الشبه والاختلاف في المستوى المعجمي:
من المؤكد أن لهجة الأحساء تحتوي على كثير من المفردات المستعارة من اللغتين الفارسية والتركية مثل أبلة للمعلمة، والدروازة بمعنى البوابة، والطبنجة بمعنى البندقية. وهي كلمات تغيب في لهجة وادي حضرموت. بينما تحتوي هذه اللهجة الأخيرة على كثير من المفردات الجاوية والهندية والإنجليزية. مثل صارون بمعنى إزار، وكيرخانه بمعنى مكينة خياطة.
ومع ذلك يمكننا أن نعثر على كثير من المفردات العامية المشتركة، أي التي يستخدمها الحساويون والحضارم، مثل فسل بمعنى كسلان، وغرشة بمعنى قارورة، وحويجة بمعنى حاجة صغيرة، سكان بمعنى عجلة السياقة، وكتلي بمعنى براد الشاي. وبينما يطلق الحضارم على التمر المذوب في الماء المريس، يسمي الحساويون الحلاوة التي يصنعونها من التمر والدقيق والزبدة الممروس، وهي تشبه كثيرا (عصيد) الحضارم. وما ألذ العصيد والمريس والممروس.