الحكاية والحزاية وتوثيقها في الأحساء وحضرموت ٢/١

ا- الحزاية في الأحساء

مسعود عمشوش

مقدمة- (الحكاية والحزاية وتوثيقهما في الجزيرة العربية):

الحكاية جنس سردي نثري خيالي قصير، وكانت من أكثر الأجناس الأدبية والفنية انتشارا، إذ إنها تتضمن جزءاً من معتقدات الشعوب وثقافاتها وعاداتها، كما وظّفها الرواة لتصوير بعض أحداث الحياة وأساليب المعيشة في قالب سردي مشوقٍ. وكانت الحكاية في الآداب القديمة تزاحم الملحمة التي تعدّ جنساً سردياً خيالياً طويلاً. وكلاهما يحتويان على بعض العناصر الخارقة. وهناك من يرى أنّ الملحمة تطورت وأفرزت الرواية الحديثة حينما تخلصت من العناصر الخارقة، وتحولت الحكاية إلى القصة القصيرة حينما تخلصت من العناصر الخارقة.

وفي معظم دول مناطق الجزيرة العربية يطلقون على الحكاية الشعبية الموجهة للأطفال: الحزاية. في البحرين يجمعونها ب (حزاوي)، وفي وادي حضرموت ب(حزايا). والحزاية أو المحزاة أو الاحزاية نوع من الحكايات موجهة للأطفال، وعادة تتولى سردها الجدات أو الأمهات أو العجائز، وذلك بهدف تنشئة الأطفال وفق المعايير المعتمدة في مجتمعهم، وزرع قيمه وعاداته فيهم، وصقل شخصياتهم، وتوسيع مداركهم، وإكسابهم عدداً من المعلومات والمهارات المختلفة، بطرق سلسة يغلب عليها الترفيه والخيال الواسع. ومثل معظم الحكايات تتضمن الحزاية في الغالب عناصر خارقة تقرّبها من جنس الخرافة في النثر العربي القديم. (انظر د. عبد الله إبراهيم، النثر العربي القديم).

ومن المعلوم أن معظم مجموعات حكايات الأطفال الغربية، مثل مجموعات شارل بيرو واندرسون والأخوين غريم، لم تنتشر إلا بفضل احتوائها على العناصر الخارقة. وعادة تقوم تلك العناصر الخارقة، سواء أكانت حيوانات أو جِنّاً أو عفاريت أو شجرا، بالمشاركة في صنع أحداث القصة، وفي الغالب تقوم بوظيفة (المساعد)، -كما يرى فلاديمير بروب-، وتساعد البطل على تجاوز المصاعب التي يضعها أمامه أعداؤه، أو الحالة السيئة التي وقع فيها.

**

ومنذ نهاية القرن الماضي شرع عدد من الباحثين من مختلف أصقاع الجزيرة العربية في جمع الحكايات الشعبية؛ منهم السعودي عبدالكريم الجهيمان، مؤلف (أساطير شعبية من قلب جزيرة العرب)، ولمياء محمد صالح باعشن التي نشرت (التبات والنبات: حكايات شعبية حجازية)، والباحثة البحرينية أنيسة فخرو مؤلفة (حزاوي أمي شيخة). وكذلك فعل الباحث السعودي د. سمير الضامر الذي نشر كتاب (احزاية، ما روته عايشة بنت صالح الفرحان لحفيدها سمير الضامر ومعجم الرواة والمرويات الشعبية). وقام محمد الدويك بنشر كتاب (القصص الشعبي في قطر). وأصدر ناصر سالم الكلدي كتاب (من الحكايات والقصص الشعبية في بلاد يافع). ونشرت أروى عبده عثمان (حزاوي وريقات الحناء). وفي عدن أصدر محمد أحمد شهاب (الحكايات الشعبية)، وعلي محمد عبده (حكايات وأساطير يمنية).

ومن المعلوم أن الحكايات تْعدّ في الأصل أدباً شفوياً لا مادياً، يصيغها أفراد المجتمع لتكون مرآة لحياتهم وذاكرة لعاداتهم وأعرافهم. ومثل مختلف فنون الأدب الشعبي تنتقل الحكايات بطريقة شفهية في المجالس والبيوت، كما تنتقل من بلد إلى بلد بواسطة المسافرين، ومن جيل إلى جيل عبر الجدات والعجائز في البيوت، وبواسطة الحكواتي في الساحات والمقاهي. وفي الغالب لا تلصق الحكايات بمؤلف محدد. وبعد انتشار الكتابة سارع بعض الكتاب والباحثين إلى تدوين الحكايات وجمعها وتوثيقها في كتب. وقد اختلفت طرق تدوين الحكايات وتوثيقها. وفي كثير من الحالات نعثر في لغة واحدة على صياغات عِدة ومختلفة للحكاية نفسها. وقام عدد من الموثقين بجمع الحكايات مع الاحتفاظ بطابعها الشفهي، أي أنهم احتفظوا عند تدوينها بتراكيب اللهجة العامية ومفرداتها، ومنهم من تجنّب عند كتابتها، المفردات التي يصعب أن يفهمها عامة القراء، ومنهم من أضفى عليها طابعا أدبيا، لاسيما عند نقل الحكايات وترجمتها من لغة إلى لغة. أما محاولات توثيق الحكايات الشعبية بطريقة التسجيل الصوتي من أفواه الأمهات والجدات والعجائز والرواة فلا تزال محدودة على الرغم من أهميتها البالغة.

وهناك من يتساءل اليوم: هل علينا أن نوثق الحكايات بصيغتها الشعبية الأصلية؟ أم أن علينا أن نعيد صياغتها بما يتناسب مع طرائق التعليم والتربية الحديثة لضمان وصولها إلى أكبر عدد ممكن من القراء، أطفالا وكبارا. مثلا، تؤكد الباحثة البحرينية أنيسة فخرو أنها "اتبعت أسلوب الكتابة المبسطة لسرد الحكايات الشعبية لكي تصل إلى الكبير والصغير، كما حاولت ألا أبتعد عن اللهجة العامية في الحوار مع وضع هوامش لما تعنيه الكلمات العامية باللغة العربية، وحاولت أن أحافظ على روح الحكاية، ونادرا ما كنت أغيّر في نصوص الأغاني أو العبارات المرددة والتي تميّز الحكاية وتعطيها خصوصيتها، والتي أحيانا كثيرة يُستقى العنوان منها، كما حاولت أن أستخرج الحكمة أو المقصد من الحكاية".

أما الأديبة أروى عثمان فقد كتبت في مقدمة كتابها (قراءة في السردية الشعبية اليمنية، 70 حكاية شعبية، بيت الموروث الشعبي صنعاء 2005، ص 13) "إن ثمة شيء آخر قمت به أثناء التدوين، هو محاولة صياغة الحكايات من اللهجات المختلفة بحيث تكون بلغة وسطى بين العامية والفصحى، مع إبقاء بعض المفردات بلهجتها الأصلية، وقد توخيت الأمانة العلمية بألا أنحرف عن المعنى الحقيقي للنص الأصلي".

وبالنسبة للدكتور سمير الضامر، الذي تولى جمع الحكايات الشعبية في الأحساء، فقد ظل أمينا للهجة العامية الحساوية التي سُرِدت بها الحكايات، فقد كتب: "كما أنني كتبت الحزاوي بنفس لهجتها المحكية، أو قريبا منها، وتساهلت في وضع بعض المفردات، والجمل العامية لأنها روح تلك الحكايات، وهي الأقرب لروحها الأصلية التي رويت من خلالها". (انظر سمير الضامر، احزايه..، ص١٨) لهذا نرى أن نصوص الحكايات الواردة في هذا الكتاب تعدّ مادة خامة تتجسد فيها سمات لهجة الأحساء، ففيها نعثر على تلك الخصائص التي تحدث عنها د. محمد صالح الشاجرة في كتابه (لهجة الأحساء)، والتي تحدثنا عنها في دراستنا السابقة عن لهجات في الأحساء ووادي حضرموت. 

أولا-الحكايات الشعبية في الأحساء:

مثل جميع مناطق الجزيرة العربية تزخر الأحساء بالحكايات الشعبية المتنوعة. وكان لابن الهفوف الرائد عبد الله النفيسي دورٌ كبيرٌ في انتشار حكاية (جنية السعف والليف) الحساوية. ومع ذلك، حسب علمنا، قليلون هم من اهتموا بتوثيق الحكايات الشعبية كتابيا في الأحساء تحديدا. وقد تناولت الباحثة مريم الحسن ثلاث أساطير متداولة في الأحساء في مقال موجز. ومن المؤكد أن د. سمير الضامر هو أول من درس ووثّق للحكاية الشعبية في الأحساء بشكل علمي ومنهجي، وذلك في كتابه (احزاية، ما روته عايشة بنت صالح الفرحان لحفيدها سمير الضامر ومعجم الرواة والمرويات الشعبية)، الذي يتضمن عدداً من الحزايا الحساوية إضافة إلى عدد من العناصر الأخرى.

ونلاحظ أن المؤلف قد اعتمد في كتابة الكلمة الرئيسة لعنوان كتابه إضافة الألف الذي يضعه الحساويون في بداية بعض الأسماء والأفعال، فكتب احزاية وليس حزاية. (انظر محمد صالح المشاجرة، لهجة الأحساء، ص ١١٩).

ومن الواضح أيضا أن د. سمير الضامر قد سلك في كتابه طريقة كثير من موثقي الحزايا، مثل البحرينية أنيسة فخرو، مؤلفة كتاب (حزاوي جدتي شيخة، أحلام الطفولة)؛ التي تقول في مقدمة كتابها: "الراوي الأصلي هي جدتي الحاجة شيخة بنت راشد بنت بو راشد عبد الملك رحمها الله، وإليها خاصة أهدي هذا العمل، في ذكرى وفاتها، ولدت في عام 1917، وتوارى جثمانها الطاهر الثرى في يناير من عام 1999، وهي زوجة جد أمي الحاج الشيخ يعقوب بن يوسف بن محمد بن عبد الملك رحمه الله ومن بنات عمومته، وكان لها الفضل الكبير في تربيتي، وكنت أناديها أمي، ورحمها الله لديها ابنتان، الكبرى الحاجة أمينة بنت يعقوب بنت عبد الملك رحمها الله، وقد غادرتنا إلى ملكوت الرحمن في أكتوبر 2002، وكنت أناديها أمي أيضا. والابنة الصغرى المربية الفاضلة السيدة نجية بنت يعقوب بنت عبدالملك أطال الله عمرها وحفظها ورعاها، وأناديها أختي، ويفصل بين كل منهن حوالي عقدين من الزمان. ولقد تم نقل هذه القصص والحكايات عبر هذه الأجيال الثلاثة، ولقد سمعتها منذ طفولتي من المصدر الأول أمي شيخة وسمعتها أيضا من ابنتيها، وقد سجلت مجموعة منها على شريط قبل تسع سنوات عندما بدأ هذا المشروع يطرق ذهني منذ ذاك الحين، أي أن النقل حدث بالتواتر من جيل إلى جيل".

وقد فعلت مثلها لمياء باعشن، ود. سمير الضامر الذي يؤكد أنه قام بتوثيق حكايات الأحساء من خلال تسجيل ما روته له جدته عايشة بنت صالح الفرحان وأخوها (جده) عبد الله. وقد حكى لنا د. سمير تاريخ عائلته في الصفحة الخامسة من الكتاب التي عنونها ب (في البدء كانت الحزايه)، وقال فيها: "كان يا ما كان في قديم الزمان، تزوج صالح بن عبد الله الفرحان من نوره بنت عيسى الحسين، وأنجب منها ولدا وبنتا، الولد اسمه عبد الله والبنت اسمها عايشة، ولمّا كبر عبد الله تزوج من منيرة بنت أحمد الفايز، وأنجب منها أولادا وبناتا ومنهم نعيمة، وأما عايشة فقد تزوجها عبد الله بن خالد الضامر وأنجب منها أولادا وبناتا، منهم عبد الرحمن، تزوج عبد الرحمن من نعيمه، وأنجب منها أولادا وبناتا ومنهم : سمير. 

وعاش سمير في كنف أجداده وجداته وشُغف بحزاويهم وسواليفهم الشعبية. ومن هنا كان كتاب احزاية".

وفي الصفحة الرابعة من الكتاب، الذي يقع في مائتين وأربع وخمسين صفحة، من الحجم المتوسط، وصدر عن مركز الأدب العربي للنشر والتوزيع بالدمام سنة ٢٠٢١، يضع المؤلف خمسة مقتطفات، استل الأوّل منها من إحدى رسائل الجاحظ التي تتناول أهمية الخبر. وأخذ المقتطف الثاني من كتاب المقيم السياسي البريطاني في الكويت هارولد ريشتارد ديكسون (الكويت وجاراتها)، الذي يتحدث فيه عن الهفوف قائلا:" الهفوف هي أرض إبراهيم، وعاصمة المقاطعة الشرقية من المملكة العربية السعودية، وقد زرتها عدة مرات، وجمعت روايات غريبة - غير مدونة - من البدو في جوارها، روايات يبدو أنها فاتت بلغريف وفليبي وتشيزمان الذين زاروا المكان مرات عديدة".

والمقتطف الثالث استله د. سمير الضامر من رواية (الجنية) للدكتور غازي القصيبي، التي اقتطف منها ما يأتي: "هناك الجنية الأشهر في منطقة الأحساء: أم السعف والليف، كان كل طفل حساوي يرتعد في فراشه كل ليلة وهو يسمع حفيف أم السعف والليف وزفيفها".

والمقتطف الرابع أخذه المؤلف من كلام الجدة عايشة راوية الحزايا التي تقول: "خيال الخيل وأنا بنت صالح". أما المقتطف الخامس: "الحياة احزايه واحنا غنيناها"، فهو مقولة سمعها د. سمير الضامر من الكاتب المسرحي علي السعيد الذي نقلها عن فنان حساوي قديم.

وفي الصفحة السادسة من الكتاب يقدم لنا المؤلف تعريفا مركزا للحزاية، قائلا إنها "مفردة شعبية مشهورة في الأحساء وعموم بلدان الخليج العربي، وهي نوع من الأدب الشعبي يقصد به سرد الحكاية الشعبية والسواليف. وكانت جدتي تحازينا، أي تسرد لنا الحزاوي وتقصها علينا، وكنا نقول لها: جدتي عطينا احزايه، أي حكايه. وغالب الحزاوي تكون مبنية على الغريب والعجيب من الأحداث، ولا تخلو من جانب الخرافة. وفي اللغة: حزا الشيء قدره تخمينا. حزا: تكهن". 

وفي الصفحة نفسها يقدم (في شكل جدول) سمات الأدب الشعبي، الذي يشكل جزءا من التراث الثقافي، ويرى أن أبرز تلك السمات: الصياغة باللهجة العامية، والنقل بالرواية الشفهية، والصراحة والقِدم، والتعبير عن روح الجماعة، والإنسانية، وعدم وجود مؤلف معروف، والارتباط بالمهن والحرف والعادات الاجتماعية.

وفي الصفحة التالية، -السابعة-، يقدم لنا د. سمير الضامر بتركيز السمات المميّزة لحزاوي جدته عايشة بنت صالح الفرحان، وهي: المزج بين الواقعي والمتخيل، وتآلف البشري والحيواني في بنية الحدث، والصراع بين المرأة والرجل، وبروز العنصر الخارق الذي يمارس دور المساعد للبطل، والارتكاز على بنية أسطورية، والنهاية السعيدة، وقابلية التأويل السيميولوجي. ونصيا تنتهي جميع الحزاوي التي أوردها د. الضامر في كتابه بعبارة "وجملت وحملت".

ثم يضمّّن د. سمير الضامر كتابه مقدمة تقع في عشر صفحات، يستكمل فيها أولا حديثه عن أفراد عائلته، لاسيما الجدات والأمهات اللاتي غرسن فيه حب الحكي والحزاوي. ثم يتحدّث عن الحكاية الخرافية ومكانتها في الأحساء والمملكة العربية السعودية بشكل عام. ويضمّن المؤلف مقدمته تفصيلا لسمات حزاوي جدته، وكذلك ملخصات لبعض الحزاوي (الحكايات الخرافية) التي روتها له جدته عايشة الفرحان، وتضمنها الكتاب، مثل حكاية (قطوة البحر وقطوة البر)، (حكاية ذبي صوفش واغنيش)، التي نجد مقابلا لها في إحدى الحزايا التي ضمنتها كتابي (الحزايا الحضرمية).

وفي المقدمة نقرأ أيضا هذا النص الذي اختاره المؤلف للغلاف الأخير للكتاب: "ترتكز حزاوي جدتي عايشة على بنى أسطورية عميقة، كأساطير الولادة من الفخذ [مثلما نلاحظ في حزاية ترنجة السطح]، وإنجاب المرأة للطيور، والمسخ، والولادة من جنس الرجل، والعالم السفلي. وكل هذه الأساطير معروفة في الثقافات القديمة خصوصاً اليونانية".

وخلال قراءتنا لتلك الحزايا السبع لاحظنا أن بعضها يتقاطع، في المضمون، مع بعض الحزايا التي ضمناها كتابنا (الحزايا الحضرمية). فالحزاية الثانية مثلا (بيت السمني وبيت الحملي) تتشابه في بنيتها مع حزاية (فاطمة في الجبال هايمه). ويلخص د. الضامر الحكاية الأولى في المقدمة على النحو الآتي: "حكاية بيض السمني وبيض الحملي تحكي صراعا بين امرأتين هما زوجة الأخ وأخته، حيث تجنّت زوجة الأخ على أخت زوجها لكي تتخلص منها، فأعطتها بيضة الحملي، وهي بيضة من يأكلها ينتفخ بطنه ويحمـل! وبالفعل فقد انطلت الخدعة على الأخ وذهب بأخته للصحراء ليقتلها ويغسل العار الذي لوثت به سمعتهم! لكنه لم يستطع قتلها، فتركها لكي تأكلها الذئاب، ولكن الأخت نجت، وولدت عدداً من الطيور كانوا سببا في خلاصها".

أما في حزاية (فاطمة في الشعاب هايمة)، رغبت خالة فاطمة السيئة في التخلص من فاطمة عندما سافر الزوج بواسطة تكليف الخادم بقتلها، لكن الخادم رق قلبه وترك فاطمة تهيم في الصحراء. ثم كلفته الخالة بحفر قبر وهمي في المدخل الخلفي للدار، وادعت أنه قبر فاطمة التي قتلت نفسها بعد أن فعلت فضيحة. وفي الحزاية عدد محدود من العناصر الخارقة الحصاة التي تنشق والدجاج التي ترسلهن فاطمة وتنقر البر الذي تغربله الخالة ويحاورنها وينتقدن الأب الذي يسمع الدجاج ويتبعهن حتى يصل إلى مكان ابنته ويعيدها للبيت. 

أما بالنسبة لمتن الكتاب، فقد قسمه المؤلف إلى جزئين: ويضم الجزء الأول قسمين، كرس القسم الأول (من ص 20 إلى ص 61) لسبع حزايا هي: (ذبي صوفش واغنيش)، و(بيض الحملي وبيض السمني)، و(ترنجة السطح)، و(شامان..عمانان..ومكية)، و(قطوة البحر وقطوة البيت)، و(ما في البيت نور إلا بك يا سرور)، و(اذبيبين أو مريم أم الدل والدلال). ويتضمن هذا القسم نصوصا لمرويات شعرية للجدة عايشة بنت صالح الفرحان، ويمكن الاستماع لها بواسطة استخدام الرمز الرقمي المصور في الصفحة الواحدة والستين.

ويشتمل القسم الثاني من الجزء الأول من الكتاب على قائمة تضم عددا من الحكايات والأهازيج والأمثال والألغاز والتعابير الشفهية، التي يؤكد أن قد سمعها من جدته ويقوم بشرحها أو سرد القصة التي كانت سببا في ظهورها ، مثل: أربع سكر واربع بكر (لغز شعبي)، وتجيك التهايم وانت نايم (مثل شعبي) ورد ضمن الأمثال التي اردناها في دراستنا حول الأمثال في الأحساء وحضرموت، وجنية عين مرجان (خرافة)، ويبى يكحلها عماها (مثل شعبي)، وهو يقابل المثل الحضرمي (بغى با يكحلها عور عينها). وقد ألحقنا بهذه المقالة نص (احزاية ستر البنت عند زوجها)، التي وثقها الضامر في هذا القسم من الكتاب.

أما الجزء الثاني من الكتاب فقد كرسه الباحث د. سمير الضامر ل(معجم الرواة والمرويات الشعبية)، كما جاء في عنوان الكتاب. ويؤكد المؤلف أنه "امتداد لما سمعته ورويته من اجدادى فى الصغر ، ونما معى في كبري وجميع مراحلي الدراسية والثقافية، وكنت كثير التدوين لكل ما أسمعه من جميل الكلام الشعبي الشعري والحكائي بمختلف الأنواع، واستمر تدوين تلك المرويات منذ أكثر من خمسة وعشرين سنة، وقد كانت القصاصات الورقية الصغيرة لا تفارق جيبي، فأدون فيها كل ما أسمعه من الرواة؛ كبار السن، وأنا حريص عليها وعلى الاحتفاظ بها، ورافقتني تلك القصاصات والدفاتر في كل مكان أسافر وأسكن فيه وفي كل بيت أتنقل إليه، وهي عندي بالعشرات، ومختلفة الأحجام ما بين الصغير والمتوسط والكبير. ورأيت من المناسب جداً أن أرفقها في جزء ثاني لما بعد مرويات جدتي عايشة، لتأخذ مسارها الطبيعي والثقافي في تلقي الطفل الذي صار شاباً واستمر في التلقي والجمع والتدوين، ولتعطي تصوراً عاماً على نوعية التراث الثقافي، والأدب الشعبي الذي كان آباؤنا يتداولونه مشافهة، وكنا نتلقاه ونأنس به، وقد تربينا عليه، فجعل من شخصياتنا وتربيتنا تقوم على هذا التوازن والتسامح وقبول النصوص المروية بكل رحابة صدر على أنها كلام ينقال حتى لو كان فيها ما يخدش الحياء - كما في تصور بعض الناس - وإنما هي مرويات وجدت أرواحا وعقولاً منفتحة، وأماكن ومجالس راجت فيها تلك الروايات، لتظهر صورة الأدب الشعبي الطبيعي الذي لا تصنع فيه". ص١٦-١٧

وتتميز أسلوب تأليف د. سمير الضامر لكتابه بالمزج بين التوثيق المكتوب والتوثيق الشفوي، فهو قد ضمنه عددا كبيرا من الرموز الرقمية (الباركودات)، التي تمكن القارئ من الاستماع لبعض المرويات والأهازيج التي قام بتدوينها. كما يحتوي الكتاب على عددٍ من الرسومات التي قام المؤلف نغسه بإنجازها. وهناك أيضا عدد من الصور الفوتوغرافية (أسود/أبيض) لعدد من أفراد أسرته والرواة والأدباء الشعبيين في الأحساء.

ومن أهم تلك الصور الصورة التي وضعها د.سمير في الصفحة الثامنة من الكتاب، وهي تبرز الجزء الأسفل من الراوية، جدته عايشة، وهي ترتدي ثوبا تقليديا، وحولها طفلان صغيران على دراجتين؛ وكتب أسفلها: "أحلى الذكريات مع أروع الجدات. من اليمين: أخي د. عبد العزيز الضامر، ثم جدتي عايشة الفرحان (١٣٥٣ - ١٤٣٧هـ .. ١٩٣٤ - ٠٢٠١٥ وهي تلبس ثوبا تقليديا ثوب؛ نشل أخضر)، ثم أنا. الصورة التقطتها عمتي سميرة الضامر عام ١٤٠٢هـ".

وقبل أن نتوقف مؤقتا عن دراسة ما أنجزه د. سمير الضامر، علينا أن نؤكد هنا أنه لا يزال مستمرا في ممارسة تخصصه، النقد الثقافي التطبيقي في مجال الحكايات والأدب الشعبي في الأحساء بشكل خاص والمملكة العربية السعودية بشكل عام، فقد صدر له مؤخرا كتاب مهم وجميل بعنوان (الأدب الشعبي، أطلس مصور للرواد الأوائل في تدوين الأدب الشعبي في المملكة العربية السعودية)، وكتاب آخر بعنوان (البقشة، أوراق متفرقة في الثقافة الشعبية).

ملحق:

نص (احزاية ستر البنت عند زوجها)، التي وثقها الضامر باللهجة الحساوية، وتبين بجلاء كثيرا من سمات تلك اللجة التي ذكرناه عند تقديمنا لها في مقالتنا حول (لهجة الأحساء)، مثل إضافة الألف أمام بعض الأسماء والأفعال وقلب الجيم ياء، وإضافة ياء قبل ياء الملكية. وحذف النون في بعض الأفعال مثل جنب>يم.:

"روت لي جدتي عايشة هذه الحزاية فقالت: كان ياماكان في قديم الزمان، كان فيه بنت متزوجه وكل مره تتخانق مع زوجها تطلع من بيتها وتروح بيت أبوها، يقوم أبوها يرجعها لزوجها، وفي يوم من الأيام حلفوا أخوانها إنها ما ترجع له، واخوانها فيهم قلة عقل مش مثل أبوهم. أبوهم ماعجبه الفعل بس وقفوا ضده وحرموا الزوج من بنتهم. الأبو عنده حكمة وعقل، قال لزوج بنته بكره لصليت المغرب تعال تقهوى عندنا، ويوم جا الوقت جا الزوج وقلطه الابو في الحوى، جلسوا يتقهوون على نور الفنر، وما جابوا أي طاري للمشكلة، الأم كانت جالسة مع البنت في الدار، والبنت ما تدري إن زوجها في الحوي مع أبوها واخوانها . قالت الأم لبنتها: الحين يابنتيه كم يوم لش وانتي لابسة هالدراعة. قومي فصخيها ولبسي غيرها. البنت اسمعت كلام امها وافصخت الدراعه، ويوم افصختها خذتها الام ودفتها في الحوي؟ الرجاجيل، البنت استحت وما راحت الا يم زوجها ولفها في بشته وغطاها. الابو ضحك وقال يا الله قم خذ زوجتك وروحوا لبيتكم الله يستر عليكم. ويوم اطلعوا التفت الابو على اعياله وقال: شفتوا يا عياليه اختكم ما قدرتوا تسترون عليها وهي اختكم! وما ستر عليها إلا زوجها". ص٨٨

 يتبع.. الحكايات الشعبية في حضرموت