التضليل الإعلامي في عصر الذكاء الاصطناعي

مسعود عمشوش

 

يكمن التضليل الإعلامي في نشر معلومات مصاغة بشكل موجّه ومؤدلج وغير دقيق، وفي غير سياقها وعمدًا، وذلك بهدف التأثير في الرأي العام وإضعاف الخصم.

ومن المعلوم أن النشر الإعلامي له طبيعة عامة؛ فهو أكثر من مجرد الكلام الشفهي، وفيه من الضروري استخدام وسائط التوصيل المختلفة ووسائل الإعلام الحديثة. ويفترض أن يكون الناشر على دراية بغرضه وهدفه، حتى إن كان "معممو" المعلومات ومروجيها غير مدركين لحقيقة الهدف التضليلي للمعلمات المنشورة. وهناك كثير من العاملين في الإعلام مصابون بالعمى الأيديولوجي، ولا يسعون في الأصل للتضليل الإعلامي، ولكنهم فقط ينشرون المعلومات الصحيحة والمضللة، و بالتالي هم يشاركون دون قصد في التضليل.

وغالبًا ما ينطلق التضليل من رصد وتصوير الأحداث أو مظاهر الواقع. وفي الأساس يعتمد المضلل على صياغة ذكية لمعلومات لها علاقة بالواقع والأحداث، لكنها تحتوي على عبارات تحرف الواقع والأحداث أو تعيد صياغته بطريقة تغير دلالته وتجعلها تتحول إلى عملية تحريف وتزوير. وتخضع عملية التحريف والتزوير لانتماء المضلل ورغبته في إلحاق الضرر بالخصم.

وهناك نوع من التضليل يركز على "التأثير في الرأي العام"، وهذا يعني أن المضلل يسعى إلى فرض اعتقاد أو مواقف على الجمهور العام بدلاً من تقديم نصيحة أو رأي لمسئول ما، وممكن بالطبع الجمع بين الهدفين. وهنا يمكن أن يكون هذا الجمهور هو الرأي المعارض أو الحلفاء أو المحايدين أو الرأي الدولي بشكل عام؛ يمكن أن يستهدف عامة الناس أو دوائر أكثر تقييدًا.

وكما أسلفنا يكمن أهم أهداف التضليل الإعلامي في "إضعاف الخصم": فهو أداة تُستخدم في الصراعات، ويهدف إلى إضعاف القدرات الهجومية للطرف الآخر. ويتم ذلك إما بتقسيم الطرف الآخر أو بتثبيطه (أخلاقيًا، من خلال الفوضى، إلخ). وتهدف هذه العملية إلى إحداث الضرر. في هذا، يختلف التضليل الإعلامي، السلبي أو العدواني دائمًا، عن الإعلانات التجارية والتلقين الفكري، إلخ، التي تهدف إلى الحصول على الدعم. ولهذا السبب، يلجأ إلى نسب أفعال أو نوايا شنيعة إلى الخصم، وتشويه صورته، أو ببساطة، يزيد التضليل الإعلامي من الاضطراب والفوضى.

وبالتالي يصبح التضليل نقيض الإعلام في مفهومه الصحيح. فهو يتحقق ذلك من خلال بُعدين للاعتقاد الذي تثيره: من جهة هو تحريض هدفه إثارة المشاعر والعواطف بطريقة شبه وبائية، مثل الكراهية، ومن جهة أخرى، هو تصوير خاطئ ومربك ومتحيز للواقع. إن الوهم الأيديولوجي، والقدرة على خداع الآخر، والانغلاق المعلوماتي، والهلوسة التفسيرية، والعديد من أشكال إنكار الواقع الأخرى التي توجد أمثلة متعددة عليها لا تشكل تضليلًا، طالما أنها غير موجهة ضد خصم.

ولا يكون التضليل ممكنًا إلا حيث توجد مساحة عامة ومكان للنقاش وتعددية في الرأي والمعرفة. لا يكون منطقيًا إلا حيث تتنافس مصادر المعرفة المختلفة والتفسيرات المختلفة. وقد أثبتت شبكة الإنترنت في كثير من الأحيان أنها المجال الذي تنتشر فيها المعلومات الخاطئة المعلومات الجيدة. وهناك نقص في إجراءات الاعتماد أو التحقق الموثوقة. ما اكتسبناه نظريًا من تعدد مصادر المعلومات، ربما فقدناه في القدرة على التحقق من المصادر أو في سرعة الاستجابة.

واليوم جعلت التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي التضليل سهلا للغاية. وأصبح إنتاج التضليل والتزييف، بما في ذلك نشر التصريحات والصور الرقمية المزيفة تمامًا ، في متناول جميع البرامج. فاليوم يستطيع أي شخص أن ينشر ما يريد على الإنترنت، أحيانًا بشكل مجهول وأسرع من وسائل الإعلام الرئيسية. ولم تعد اليوم هناك حاجة لمطبعة أو مكاتب. وأصبح بمقدرة المواقع الالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي تخطي جميع الحدود والرقابة، وأصبح التضليل الإعلامي سهلا ومتاحا للجميع. ومما يجعله أكثر يسرا الكم الهائل من المعلومات المتاحة، وارتفاع عدد المواقع أو وسائل الإعلام التقليدية التي تنسخ بعضها البعض.

ويعتمد التضليل الإعلامي كذلك على الشائعة التي يمكن أن تتناول مواضيع مسلية أو مفاجئة أو شيقة أو فاضحة، وغالبًا ما تتعلق برموز رئيسية، مثل الأموال المخفية، والمؤامرات. كما تفترض الشائعة حدًا أدنى من المعقولية: إما أن تندد بخطأ أو فضيحة، أو تروي مصيبة أو كارثة. وتتمتع الشائعة بدرجة معينة من الندرة والسرية التي تمنحها قيمتها التبادلية (هناك من يعرف ومن لا يعرف). وغالبًا ما تبدو أو تدعي أنها تتعارض مع حقيقة أو صمت رسمي، والأهم من ذلك أنها تدعي أنها تأتي من مصدر مجهول أو غير قابل للتحقق، ودائمًا بشكل غير مباشر. وبالتالي، فإن جميع الشروط متوفرة لجعل الإنترنت وسيلته المثالية للانتشار.

إن وجود فئات من مستخدمي الإنترنت تبحث عن أدنى فرصة لبث الأخبار والتعليق عليها، وإطلاق منصة أو قناة، أو حتى مجموعة واتس للترويج عن نفسها يمكن أن تستغل كأماكن للتضليل وبث الأخبار المحرفة والمصاغة بطريقة مؤدلجة ومزيفة. ولا شك أن وسائل التواصل الاجتماعي وبكل رئيس الفيس بوك والواتساب تعد اليوم – وبكل خاص في بلادنا- من أهم الوسائل التي يتم توظيفها في التضليل الإعلامي. ومن أجل ذلك تقوم وزارات الإعلام وأقسم الإعلام بدفع الملايين للذباب الالكتروني، وأضعاف ما تدفعه للصحفيين الرسميين.

 وإذا كان هنا كاليوم من يوظف الذكاء الاصطناعي لنشر الأخبار المضللة، فلحسن الحظ أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعدنا أكثر على اكتشاف صحة الأخبار والأحداث التي ينشرها معممو الأخبار المضللة والمزيفة. وفي الفيسبوك مثل هناك منصات مثل (تحري الصديق) تقوم بنشر النسخ الحقيقية لكثير من الأخبار والصور والتصريحات المحرفة