المحامون.. وأهمية الإصلاح بين الزوجين !!
المحاماة مهنة إنسانية نبيلة، لا تقف عند حدود جمع المال، بل تتجاوز ذلك لتؤدي رسالة سامية في خدمة المجتمع.. فالمحامون ليسوا دعاة طلاق، بل شركاء في تعزيز الاستقرار الأسري، إذ يسعى المحامي إلى تحقيق العدالة، وتقديم العون للآخرين، وله دور حيوي في حل النزاعات الأسرية، ومن مهامه مساعدة الأزواج على تجنّب الطلاق عبر التسوية الودية وتقديم المشورة الرشيدة، حفاظاً على تماسك الأسرة وصون حقوق الأطفال، وذلك كله في إطار أحكام الشريعة الإسلامية السمحاء.
إنَّ من أعظم أنواع الصلح في الإسلام الصلح بين الزوجين؛ فالأسر تقوم على المحبة والألفة وتدوم بدوامهما، فإذا حل الشقاق محل الألفة كان الفراق مآلاً محتوماً، وهنا يبرز دور المصلحين، ولا سيما المحامون والحكماء، في أداء واجبهم الشرعي والقانوني تجاه الأسر المتفككة، عبر إعادة جسور التواصل والسعي الحثيث للإصلاح بين الأزواج من خلال جلسات التفاهم، مما يعيد الثقة بين الطرفين ويساهم في صون الأسرة وحمايتها من الانهيار، ويعزز بذلك الاستقرار الاجتماعي، إذ الأسرة هي نواة المجتمع، فإذا صلحت صلح المجتمع كله !!
لقد حث الإسلام على وأد أسباب الشقاق والخلاف، وأمر بالسعي للإصلاح قبل اللجوء إلى القضاء، لما في الإصلاح من أثر عظيم في إعادة الألفة والمحبة، وغياب أهل الحكمة عند النزاع قد يؤدي إلى وقوع الطلاق والفرقة، ولهذا جاء التوجيه الإلهي بأن يكون الحكم من أقارب الزوجين، لأنه الأقرب إلى معرفة تفاصيل الخلاف وأقدر على حفظ السر وصون السمعة. قال اللَّهَ تَعَالَىٰ: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا).[النساء: 128]، وقال تَعَالَىٰ: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا).[النساء: 35].
ولا شك أن الإصلاح بين الزوجين عمل عظيم، أما الإفساد بينهما فإثم جسيم. والطلاق على ما أباحه الشرع له في الغالب آثار سلبية، لا سيما على الأبناء، ومن هنا كان واجب المحامين والحكماء أن يسعوا جاهدين إلى الحلول الودية وتقريب وجهات النظر، والابتعاد عن التحريض على الطلاق طمعاً في مكاسب مادية أو لتحقيق انتصار شكلي لموكليهم، إذ إن عاقبة ذلك قد تكون أسرة مدمَّرة وأطفالاً مشرَّدين.
ويتعين على المحامي أن ينصت لموكله ويفهم أسباب الخلاف، ثم يسعى للتواصل مع الطرف الآخر، ويحدد مواطن الخطأ، ليعظ المخطئ وينصحه، أو يعظ الطرفين معاً إذا اشتركا في الخطأ، مع تذكير الزوج بواجباته الشرعية من نفقة وإحسان ومعاشرة بالمعروف، وتذكير الزوجة بحقوق زوجها عليها من طاعة بالمعروف وكلمة طيبة وصبر وحسن عشرة، تحقيقاً لمقاصد الشريعة في الألفة والتراحم.
خاتمة.. لكل محامٍ أو محامية أو محكِّم أو مصلح يتعامل مع قضايا الطلاق المتزايدة في زمننا هذا اجعلوا الإصلاح غايتكم الأولى، وابحثوا عن أسباب النزاع، وقدِّموا الحلول العادلة المنصفة للطرفين بما يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية، فإن وُجد جانب إنساني يستحق الإصلاح فكونوا سنداً للحق وأصلحوا ذات البين، ولا تجعلوا الكسب المادي غاية على حساب استقرار الأسرة، فالمحامي الحق ليس مجرد مدافع عن الحقوق، بل هو حامل رسالة وأمانة، يسعى لحماية الأسرة، وهي لبنة المجتمع الأساسية، فالزواج رباط وثيق وميثاق غليظ، والحياة الزوجية إنما شُرعت لتستمر، قائمة على المودة والرحمة والاحترام. ومن دلائل قدرة اللَّهَ وحكمته قوله تَعَالَىٰ: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).[سورة الروم:21].
القاضي أنيس صالح جمعان
13 سبتمبر 2025م