26 سبتمبر: يوم الانبعاث الوطني ورفض الاستبداد

الكاتب مؤمن الحاج
إن 26 سبتمبر ليس مجرد تاريخ في التقويم بل هو ميلاد جديد لأمة ونقطة تحول جذرية في مسيرة شعب إنه اليوم الذي انطلقت فيه صيحة الحرية من حناجر الأحرار لتشق صمت عقود من الاستبداد والكهنوت. في هذا اليوم العظيم تجسدت إرادة شعب كامل في التحرر من أغلال الجهل والتخلف واستعادة كرامته المسلوبة. لم تكن ثورة 26 سبتمبر مجرد حركة عسكرية لقلب نظام حكم بل كانت ثورة فكرية وثقافية تهدف إلى تغيير بنية المجتمع من جذورها وإعادة الاعتبار للإنسان اليمني ككائن حر وكريم يستحق الحياة في ظل العدل والمساواة
كانت الثورة بمثابة رد فعل طبيعي على ظلم متراكم وعلى نظام حكم استبدادي ظل جاثمًا على صدور اليمنيين لقرون طويلة. لقد عاش الشعب في ظل نظام يعيق التطور ويقمع الحريات ويفرض العزلة على اليمن، في وقت كان فيه العالم يخطو خطوات واسعة نحو التقدم. كانت المدارس قليلة والخدمات الأساسية معدومة والفقر والمرض يفتكان بالجميع بينما كان الحاكمون يعيشون في بذخ وترف. هذه الظروف القاسية هي التي أشعلت شرارة الغضب في قلوب الأحرار ودفعهم للقيام بعمل تاريخي خالد. لقد أدرك هؤلاء الرواد أن الاستسلام للواقع ليس قدرًا محتومًا، وأن التغيير ممكن إذا توفرت الإرادة والتضحية
إن تاريخ 26 سبتمبر مليء بالقصص البطولية التي تستحق أن تُروى وتخلد. ففي فجر ذلك اليوم، تحركت كوكبة من الضباط الأحرار بقيادة الشهيد علي عبد المغني في عملية عسكرية جريئة وغير متوقعة لقد قاموا بمحاصرة القصر الملكي وأعلنوا للعالم أن اليمن أصبح جمهوريًا. كانت خطوتهم هذه بمثابة صدمة للنظام القديم وحلفائه ولكنها كانت أيضًا مصدر إلهام للجماهير التي خرجت إلى الشوارع مؤيدة للثورة. كان الإيمان بالحرية هو وقود هؤلاء الأبطال فقد ضحوا بكل ما يملكون من أجل تحقيق حلم كان يراودهم لسنوات طويلة: حلم اليمن الجديد.
في تلك الأيام لم تقتصر البطولة على الجنود والضباط بل شارك فيها كل فئات الشعب كان الفلاح والعامل والتاجر والطالب كل منهم كان له دور في هذه الملحمة فالنساء كن يشجعن الرجال، والأطفال كانوا يهتفون للحرية. كان الشعب كله يداً واحدة في مواجهة التحديات الكبيرة التي تلت إعلان الثورة بدءًا من محاولات النظام البائد استعادة الحكم ووصولاً إلى الحروب التي فرضت على اليمن الجمهوري. هذه التضحيات هي التي منحت الثورة قوتها، وجعلتها صامدة أمام كل المؤامرات.
26 سبتمبر: إرث حي يتناقله الأحفاد
إن إرث ثورة 26 سبتمبر ليس مجرد وثائق تاريخية أو صور قديمة بل هو إرث حي يتجسد في كل يمني حر يؤمن بالعدالة والمساواة. إنه إرث يتجدد مع كل صباح جديد ومع كل طفل يذهب إلى المدرسة ومع كل شاب يحلم بمستقبل أفضل إن الأحفاد اليوم يدركون تمامًا أن الحرية التي يتمتعون بها هي نتيجة لدماء الأجداد التي روت تراب هذا الوطن
لذلك، فإن الاحتفال بـ 26 سبتمبر ليس مجرد تظاهرة احتفالية، بل هو تجديد للعهد والولاء لمبادئ الثورة هو تذكير لنا بأننا مسؤولون عن الحفاظ على هذا الإرث وأننا مطالبون بمواصلة المسيرة نحو بناء دولة حديثة، أساسها القانون ودستورها العدالة وعمادها المواطنة المتساوية يجب أن نتعلم من الماضي وأن ندرك أن الاستبداد قد يغير أشكاله وألوانه، ولكنه يظل هو هو. لذا يجب أن نكون يقظين دائمًا ومستعدين للدفاع عن مكتسبات الثورة، وعدم السماح لأي قوة بالعودة بنا إلى الوراء.
تحديات الحاضر ومسؤولية المستقبل
اليوم، يواجه اليمن تحديات كبيرة من صراعات داخلية إلى تدخلات خارجية إلى أزمات اقتصادية واجتماعية. هذه التحديات قد تجعل البعض يفقد الأمل، أو ينسى المبادئ التي قامت من أجلها الثورة ولكن في مثل هذه الظروف يصبح الاحتفال بـ 26 سبتمبر أكثر أهمية من أي وقت مضى. إنه فرصة للتذكير بأن اليمن قد مر بظروف أصعب بكثير، وأنه بفضل إرادة شعبه، استطاع تجاوزها.
إن الأمانة التي يحملها الأحفاد اليوم هي أمانة ثقيلة ولكنها ليست مستحيلة. إنها أمانة بناء دولة قوية وموحدة دولة تضمن حقوق كل أبنائها، وتوفر لهم فرص الحياة الكريمة. علينا أن نعمل بجد واجتهاد وأن نضع خلافاتنا جانبًا وأن نركز على ما يجمعنا. يجب أن نستلهم من روح الثورة التي وحدت اليمنيين من كل المشارب والمناطق في مواجهة عدو مشترك.
إن قصة اليمن هي قصة كفاح مستمر من أجل الحرية والكرامة لقد كانت ثورة 26 سبتمبر مجرد محطة في هذه القصة ولكنها كانت محطة فارقة ومحورية إنها تعلمنا أن التغيير يبدأ من الداخل، وأن القوة الحقيقية تكمن في إرادة الشعب. تعلمنا أيضًا أن الطريق إلى الحرية ليس مفروشًا بالورود، وأنه يتطلب تضحيات كبيرة ولكن النتيجة النهائية تستحق كل العناء.
سيبقى نبض قلبي يمنياً يتردد فيه صدى تلك الثورة العظيمة وسيظل صوت اليمن الحر يصدح في كل زاوية من زوايا الوطن. لن ننسى تضحيات الأجداد، وسنحمل الأمانة بكل عزم وإصرار، لنكتب معًا فصولاً جديدة من المجد والبطولة. إن الأجيال القادمة تعتمد علينا في الحفاظ على هذا الإرث العظيم، وفي تعزيز قيم الحرية والكرامة. يجب أن نكون أوفياء لتلك التضحيات وأن نستمر في النضال من أجل وطن يستحقه كل يمني. عاشت 26 سبتمبر، وعاش اليمن حراً أبياً، ولن يتوقف نبض الكرامة في قلوبنا.
يمكن أن ننظر إلى ثورة 26 سبتمبر من زوايا متعددة. لم تكن مجرد حدث سياسي، بل كانت انقلابًا ثقافيًا واجتماعيًا. كانت رسالتها الأساسية هي أن الشعب هو مصدر السلطات وأن لا أحد يملك الحق في الحكم بغير إرادته. لقد أرست الثورة مبدأً جديدًا، هو مبدأ المواطنة المتساوية. فقبل الثورة كان المجتمع مقسمًا على أسس طبقية، وكان البعض يتمتع بامتيازات بحكم النسب أو القرابة من الحاكم. ولكن الثورة قضت على هذه الفوارق وفتحت الباب أمام كل يمني بغض النظر عن انتمائه للمساهمة في بناء وطنه
كان للشباب دور محوري في ثورة 26 سبتمبر. فالضباط الأحرار الذين قادوا الثورة كانوا في معظمهم من الشباب المتعلم والمثقف الذي رأى في الأنظمة الملكية العائق الأكبر أمام تقدم بلادهم لقد كانوا على وعي تام بما يجري في العالم من حولهم وكانوا يحلمون بأن يكون لليمن مكانة بين الأمم. لقد آمنوا بأن التغيير ممكن، وبأنهم قادرون على إحداثه. هذه الطاقة الشبابية كانت هي القوة الدافعة للثورة، وهي التي مكنتها من تحقيق أهدافها.
في ظل الظروف الراهنة التي يمر بها اليمن يمكن لروح 26 سبتمبر أن تكون مصدر إلهام لنا جميعًا إن مبادئ الثورة من الحرية والعدالة والمساواة، هي الحل الوحيد لتجاوز الأزمات الحالية. علينا أن نعود إلى هذه المبادئ وأن نجعلها بوصلتنا في كل خطوة نخطوها. إن التحدي اليوم ليس في إسقاط نظام بل في بناء دولة حديثة وعصرية وهذا يتطلب منا جميعًا أن نعمل معًا وأن نضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار