البركاني يُحرِق القات!!

سأقف اليوم عند رسالةٍ جديدةٍ ملهمةٍ ومؤثرةٍ من الشيخ أحمد البركاني — حفظه الله —، وهي بمثابة درسٍ عمليٍ في كيفية الانتصار على هذه الشجرة الخبيثة. ومن الطبيعي أن أقدّمها هنا لنستفيد منها لما فيها من الدروس والعبر.

أخانا الحبيب محمد بالفخر،
السلام عليكم.
استمرّ في مقالاتك ومحارباتك لعلّها توقظ ضمائر كثيرٍ من أمثالنا ممن أنهكهم التفكير في كيفية القضاء على هذه الآفة المدمّرة التي دُمّرت بها أمة اليمن ومقدراته، وجعلته في ذيل أمم الجزيرة العربية ودولها.
فهي البلد الوحيد في الجزيرة العربية الذي يعيش التخلف والتمزق والشتات والفقر والمجاعة والجهل والظلم بكل معانيه؛ بينما بقية الدول آمنة مطمئنة، ومجتمعاتها ناهضة ترفل بالخير والنعم والبناء والتعمير والتقدم، وشعوبها تلتف حول قياداتها فتصنع المعجزات وتصعد درجات الرُقي لتحقق مكانتها اللائقة بين شعوب الأرض.
وبقي اليمن منكوبًا بشعبه، رغم أنه شعب عملي وعصامي يبدع أيّما إبداع عندما يغادر بلاده المثخنة بالقات (القاتل) — فيها تذهب كل المواهب — فيغتربون عنها فتظهر مواهبهم وتتجلّى أفكارهم باختراعات علمية واكتشافات متقدمة تنفع سائر شعوب الأرض التي استقبلتهم واستوعبتهم، فأهدتِها عصارةَ أفكارهم وإبداعاتهم، لأنهم ابتعدوا عن لعنة القات وتبعاتها المحزنة.
فهل يعي مسؤولو اليمن هذه المصيبة التي هجّرت العقول النافعة والأيادي العاملة الناجحة إلى الخارج؟ هل يهيئون للبلاد ما يلزم بإزالة هذا الشر المستطير المتوارث عبر الأجيال، والذي يمنع كل خير من أن يصل إلى اليمن وأهلها، لتنعَم البلاد برجالها ونسائها وأبنائها الصالحين؟

أخي محمد،
لقد أسّس العديد من اليمنيين مؤسسات لمحاربة أضرار القات، ولكن لضعف المؤسسين وقلة الناصرين لهم، وطوفان المتعاطين والمدمنين، لم تؤثر تحرّكاتهم في موجٍ كالجبال من رعاع ومثقفين وسياسيين وإعلاميين وبعض مُدّعي العلم وقياداتٍ وقواعدٍ كلها تطحن وتدور في فلك القات، حتى أصبحت لا تعرف معروفًا ولا تنكر منكرًا. كلهم لا همّ لهم إلاّ كيف يحصلون على القات اليومي، وأين يأكلونه، وكيف يحصلون على قيمته من حلالٍ أو حرام؛ بعدلٍ أو بظلم، بعقلٍ أو جنون، المهم أن يحصلوا عليه بأي وسيلةٍ وبأي ثمنٍ، محققين بذلك قولهم: «من قرح يقرح».

أخي محمد،
وجدت أخًا فاضلًا باحثًا ممتازًا اسمه الدكتور أبو أسامة الحيمي؛ قد ألّف رسالةَ الماجستير في القات وحكمه الشرعي، فخرج بنتيجةٍ مدويةٍ تحرّيمه شرعًا بأدلةٍ قاطعةٍ دامغة، وهي مطبوعةٌ وأهداني نسخةً منها أَثبتَ فيها أن علماء اليمن يحرمون ه منذ أن دخل اليمن، وأثبت ذلك بفتاوى علماء كل العصور السابقة ابتداءً من القرن السادس الهجري — إن لم تخنِ الذاكرة. ولكن المثل يقول: «من يقرأ لعريج خطّه».
ولقد كنا أنا والأخ أبو أسامة أعضاءً في مجلس أمناء مؤسسةِ محاربةِ أضرارِ القات.

أخي محمد،
إنّ قريتنا والقرى المجاورة كلها قات، ولنا أرض زراعية ورثناها من أبي رحمة الله، وهو لم يكن من المتعاطين له حيث كان مغتربًا عنها. فأرسلتُ فرقةً مسلحةً من أولادنا والأصدقاء ليذهبوا إلى بلادنا لقطع ذلك القات الذي لم ندخل أرضه يومًا ما ولا نعرفه لأننا مغتربون طوال حياتنا، ولنا منه موقفٌ شرعيّ. أمرتهم ليقطعوه من أصوله، ويصبّوا الأسيد الحارق في عروقه وجذوره.
وقمت بتحريك هذه الفرقة الكوماندوز، وعملنا لها غرفة عمليات في تعز لتنسيق العمل والإشراف على معركة القطع. وانطلقت الفرقة بأسلحتها الآلية وبالمناشير الجديدة وجِوالين كثيرة وكبيرة من الأسيد الحارق، والسلاح الآلي لإسكات الفضوليين الذين توقّعنا تدخلهم لإنقاذ هذه الشجرة اللعينة.
وبالفعل كان يومًا أسودًا عليها؛ إذ قامت الفرقة المهاجمة بقطع كل أشجار القات المعمرة والصغيرة من أرضنا. والناس كانت تصرخ وتولول وكأننا نهدم صنمًا هُبَل، وتقول للقاطعين: أنتم مجانين لا عقول لكم لأنكم تهلكون وتدمّرون ثروتكم الغالية. وهي فعلاً غالية لأنها تُدرّ عليهم ذهبًا يوميًّا. وكان البعض يريد أن يتدخل لإيقافهم فهددوه بالرصاص. وكان ردّ فرقتنا عليهم: «نحن لا نريد أن نشارك في دمار شعب اليمن كما فعلتم أنتم يا أرباب القات وزرّاعه».