اليوم الدولي للتعليم.. الانشغالات الدولية والواقع المحلي
يحتفل العالم في يوم 24 يناير بيوم التعليم، فقد قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 3 كانون الأول/ ديسمبر 2018، إعلان يوم 24 كانون الثاني/ يناير يومًا دوليًّا للتعليم، احتفاءً بالدور الذي يضطلع به التعليم في تحقيق السلام والتنمية.
ويعكس هذا القرار إدراك المجتمع الدولي لأهمية التعليم، والتأكيد على أن التعليم يضطلع بدور أساسي في بناء مجتمعات مستدامة وقادرة على التكيف، ويساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة الأخرى..
وتقوم منظمة (اليونسكو)، بوصفها الوكالة المتخصصة في منظومة الأمم المتحدة المعنية بالتعليم، بتيسير الاحتفاء سنويًّا بهذا اليوم، وتخصيص احتفال كل عام بموضوع من الموضوعات، وقد خصصت (اليونسكو) اليوم الدولي للتعليم هذا العام، الموافق 24 كانون الثاني/ يناير، للدور البالغ الأهمية للتعليم والمُعلّمين في مكافحة خطاب الكراهية بوصفه ظاهرة تُضِرُّ بمجتمعاتنا وتَفاقَم انتشارها في السنوات الأخيرة من جرّاء استخدام مواقع التواصل الاجتماعي.
عند التأمل في الانشغالات العالمية بالتعليم وما توليه المجتمعات للتعليم، ندرك حجم المأساة التي يمر بها التعليم في بلدنا، فواقع التعليم لا يرضي العدو قبل الصديق، فالمعلمون يعانون أشد المعاناة، فقد تردت الحياة المعيشية، وصار الراتب الزهيد لا يفي بأبسط الاحتياجات المعيشية الأساسية، وفوق هذا لا يأتي بصورة منتظمة، فأي تعليم نتوقعه في ظل هذا الوضع المأساوي المرير؟! إذ لا يستطيع الإنسان أن يبدع ويبتكر وهو منشغل بمتطلبات العيش الأساسية. هذه هي أم المشاكل التي يعانيها التعليم في بلادنا، وتتفرع عنها مشاكل عدة كلها معوقات للتعليم الجيد، كعدم توفر الكتاب المدرسي، وازدحام الفصول والقاعات بالطلاب، وعدم وجود الكادر المؤهل الواعي، وسوء الإدارة والفساد المستشري، الذي يحول دون نجاح أي برامج لإصلاح واقع التعليم.
ويجمع عددٌ من الأكاديميين الواعين على أن وضع التعليم كارثيّ، ويرى أحدهم أن الجامعة: "لم تعد طريقًا للعلم ولا البحث العلمي الذي يفترض أن يقود إلى تطور ونهضة الإنسان والبلاد.. ولم يعد البحث العلمي هدفًا للجامعات ولا للأساتذة ولا للطلاب - إلا من رحم ربي- في هذه البلاد حيث يعم البؤس والفقر والفساد، لقد صار الطلاب يرون العلم وجعًا للدماغ، وصاروا ينشدون شهادات بدون علم، وصارت رواتب أساتذة الجامعات لا تكفيهم بضعة أيام، كما أنه يختفي من شهر إلى آخر.."، وهذا تشخيص واقعي إلى حد بعيد، فلقد كان راتب الدكتور في الجامعة في عام 2010م ما يعادل 1380 دولارًا، والراتب نفسه اليوم ما يعادل أقل من 200 دولار، مع ارتفاع جنوني في الأسعار وانعدام الخدمات، وكذلك وجود عدد من أساتذة الجامعات لم يحصلوا على التسوية المالية القانونية ورواتبهم ما تعادل 40 دولارًا.
إن طول فترة الحرب التي تدور في بلادنا قد دمرت المؤسسات وانهارت العملة وارتفعت الأسعار، وانهارت كثير من القيم والأخلاق وطغت الغرائز وبزر العنف والسلوك المتوحش..
وفي وضع الحرب والصراع نجد أن أغلب المشاريع والمساعدات المقدمة من المنظمات الدولية لمجال التعليم، لا تحقق أهدافها المعلنة، فكل طرف يسخرها لخدمة أجندته ويستحوذ على الموارد المالية لصالح مناصريه، فتغدو أكثر المشاريع مجرد فعاليات وإنجازات على الورق ليس لها أثرٌ مستدام في المجتمع. فلا وجود لتعليم حقيقي جيد أو مشاريع حقيقية إلا بوجود الاستقرار والسلام في المجتمع.
وحين نتحدث عن شعار اليوم الدولي للتعليم هذا العام، "أهمية دور التعليم والمُعلّمين في مكافحة خطاب الكراهية"، في بلدنا الذي تطحنه الحرب والنزاعات والفظائع، فهو أمر يثير مفارقةً عجيبة؛ فقد غدا التعليم ساحة صراع واستقطاب أطراف الحرب، وقد التحق بجبهات القتال شباب ومعلمون وحتى أطفال؛ نظرًا للوضع المعيشي والرواتب المغرية التي تُدفع لهم.
إنّ خطاب الكراهية في مجتمعنا هو نتيجة للحرب والصراع، وتفشي الظواهر السلبية الكارثية. وللأسف شارك كثيرٌ من الأكاديميين والمعلمين والإعلاميين في بث خطاب الكراهية والعنف والتخوين، بدلًا من النضال من أجل قيم تقاوم أشكال الإقصاء والهيمنة والظلم؛ وذلك للحصول على امتيازات مادية ومناصب ومصالح ضيقة، الأمر الذي أدى إلى تدمير مؤسسات المجتمع وقيمّه وانتشار الفقر والمجاعة والأمراض والعنف والقتل.
إنّ حاجة البلد إلى السلام والاستقرار أمرٌ مُلحٌ وفي غاية الأهمية، وأن دور الفاعليين الدوليين ينبغي أن يتركز على الضغط على أطراف الصراع لوقف الحرب والوصول إلى توافق، وحماية حقوق الإنسان وتوفير الخدمات الأساسية، وتحسين المستوى المعيشي بما يليق بالإنسان وكرامته، وتحقيق العدالة الاجتماعية.
ومن جانب آخر فاستقرار الأوضاع ووقف الحرب رهين بالإرادة الواعية للمواطنين وخصوصًا الأكاديميين والإعلاميين والمعلمين لبلورة خطاب يدعو إلى وقف الحرب وينشد الحياة الكريمة، ومؤسسات حقيقية توفر الحقوق والعدالة الاجتماعية والديمقراطية، ومحاربة الفساد بكل أشكاله.
إنّ المتأمل في واقع بلدنا ومشكلاته وصراعاته، يجد أنها تعود إلى عقلية الإقصاء والتهميش والهيمنة، وهي عقلية متوارثة؛ عقلية تقصي الخصم في البداية، ثم ما تنفك أن تنتقل إلى إقصاء جماعة من الفريق نفسه، وهكذا يدور الصراع ويستمر.
لقد حان الوقت أن تقوم النخب بمراجعة مواقفها، وبث الوعي لتغيير تلك العقلية، وصار لزامًا الإيمان بالتوافق والتشارك والتنوع والقبول بالآخر وبناء مؤسسات تخضع للقانون وتحترم حقوق الإنسان.