الأستاذ مهدي الحامد، بقعة ضوء في ليلٍ أبينيٍ طويل
(الأول)خاص.
كتب: راجح المحوري
ألتقيت به مرتين..
الأولى على هامش لقاء عام، والثانية في زيارة خاصة قمت بها من عدن إلى مكتبه في إدارة المحافظة الجديدة أو (البيت الأبيض) كما يسميه أهل أبين، وذلك قبل أكثر من عام، وهي الزيارة الوحيدة التي أقوم بها إلى مكتب مسؤول من محافظة أبين، للقائه بشكل خاص، وقد أدركت خلالها قيَم الرُقيّ والتحضُّر المتجذرة في شخصية الرجل، فقد نهض عن مكتبه عندما قمت من عنده، ليرافقني حتى الباب الخارجي، مع شده على كفي بحرارة، وتكرار دعوته لي لزيارته مرة أخرى.
جلستان فقط.. الأولى لدقائق والثانية لدقائق أيضا، ولكنهما كانتا كافيتان للتحقُّق من التلازم الوثيق بين صفتين مهمتين في شخصية الأستاذ مهدي الحامد.. صفتان قلما يتحققان بصورة بارزة في رجل ذي تأثير وحضور على المستوى العام.
وأنا بحكم اشتغالي الأدبي والنقدي، القائمين على التأمل الطويل في الأشياء والأشخاص، ورصد الملاحظات الدقيقة، وإجراء المقارنات للوصول إلى نتيجة نهائية مريحة، بحكم ذلك أو بسببه؛ كثيرا ما أسرح بتفكيري في الذين ألتقي بهم وخاصة ممن لهم قيمة اعتبارية معينة.
طبعا لن أتحدث عن إنجازات الرجل ضمن دائرة مسؤولياته التي يتولاها في المحافظة، ولا عن رصيده الشعبي العالي، فهذه أشياء ليست في حاجة إلى من يكتب عنها، فسمعة الرجل العاطرة تكفي للحكم على أدائه، وهي بالطبع تعكس الحس الوطني الرفيع الذي يدير به معطيات الحالة اليومية في المحافظة.
ولكن سأتحدث قليلاً عن ذات الرجل التي تلازمت فيها صفة القيادة والمسؤولية وما تقتضيه من التعامل الحاسم، وضعوا تحت ذلك أكثر من خط، وصفة كرم النفس، وطيب الأصل والإيجابية الشديدة في التعاطي مع عوارض الأشياء، وهذه الأخيرة لا يُصيب صاحبها في سلوكه وخاصة حينما يكون في موقع قيادي، إلا إذا اقترنت بذكاء حاد، وبصيرة نافذة، وذهن متوقد، وعقل نابه صاف، وهو ما تدركه من اللحظة الأولى عند جلوسك مع الرجل.
الأستاذ مهدي الحامد إلى ذلك، هو شخص مثقف بالفعل، وصاحب رأي فني راق، وهذا ما لمسته من خلال ردوده أحيانا على مقالاتي النقدية والأدبية، وتأملاتي الأخرى التي أحرص أن أرسلها إليه دائما، فكثيرا ما يقدم إشراقاته العقلية حول ما أكتب، وبطريقة تشعرك بأن هناك قارئ عميق ومثقف ضليع يعيد إنتاج المعنى الذي تطرحه، وفق رؤية وحساسية فنية خاصة به هو، مع التواضع الكبير ودماثة الخلق والتقدير الحقيقي لعطاء ذوي الموهبة والحضور الجماهيري، وبالمستوى الذي يليق بما يقدمون.
وقد أهديت إليه عند زيارتي له نسختين من كتابيّ المنشورين في السعودية (إحساس مُحرّم) الطبعة الأولى، و (قطوف دامية).
فأخذهما بحفاوة المهتم، وشكرني باهتمام القارئ الشغوف.
الحقيقة أن ما يمكن أن نختزل ونوجز به الحديث عن الأستاذ مهدي الحامد، هو القول وبكل صدق وأمانة: إن الأستاذ مهدي بالفعل يمثل بقعة مضيئة في ليل أبيني لا تلوح له تباشير فجر قريب.