فتحي بن لزرق.. الأبيني الشامخ
من ريف أبين وجبالها، من سهولها ووديانها، من تربتها الطاهرة، من مروجها الخضراء وبساطة أهلها، طلّ علينا يحمل علماً، قلماً، حلماً، هماً..
صقلته السنوات وجرعته مرارتها، وعصرته الحاجة عصراً حتى خلقت بداخله شاباً فتياً حالماً، يحمل على عاتقه راية وطن، وحُلم شعب، وأمنيات البسطاء..
وسُمرة الأبيني الأبي، وديدنه في التعاطي مع الحياة، في أن يكون عنصراً فاعلاً في وطنه ومجتمعه، دفعته ليخوض غمار المنافسة في بلاط صاحبة الجلالة؛ فالقرطاس والقلم سبيل الشرفاء وغاية الضعفاء، فكان له ذلك وأصبح ناراً على علم..
يُقارع الفساد، يدك أوكاره، يقلق سكينة الهوامير، يُرعبهم بكلماته، بمنشوراته، بصمته الذي يسبق عاصفته التي لا تُبقي ولا تذر، حتى أصبح الرقم الصعب في بلاط صاحبة الجلالة بلا منازع، والاسم يعرفه القاصي والداني..
فتحي بن لزرق.. ابن أبين الأبية، سليل الأبطال، امتداد الرجال، لم يكن يوماً إرهابياً، لم يكن يوماً فوضوياً، بل كان ولا يزال من الشعب وإلى الشعب، من البسطاء وإليهم، يعيش بين جنباتهم، يعايش مآسيهم، يشعر بمعاناتهم، ويتلمس همومهم..
كان صدراً مفتوحاً، وقلباً مُحباً، وقلماً قوياً، وصوتاً جهورياً، عند حاجة البسطاء لا يخشى لومة لائم، وعند معاناة الشرفاء لا يهادن فاسداً، وعند دموع الثكالى لا يتردد هُنيهةً..
لم تتحرك مياه الفساد الآسن، ولا العملة الهالكة، إلا حين صدح فتحي بصوته عالياً، وأجبر جبابرة الفساد وعتاولته أن ينحنوا لهذا الصوت القادم من أقاصي أبين الشرقية، فانكسرت شوكتهم، وتساقطوا كأعجاز نخل خاوية..
اليوم يخوض ابن أبين الأبية وصاحب الصوت الجهوري حرباً ضروساً بين أن يبقى القرطاس والقلم حراً غير مقيّد، أو أن يُوأد وتصبح لغة السلاح والدم هي السائدة في مجتمع تتناوشه أكفّ الفاسدين ولصوص الحروب..
يُواجه فتحي بن لزرق جيشاً من الذين قضّ مضاجعهم، وأقلق سكينتهم، وزرع الخوف في قلوبهم، فلم يجدوا بُدّاً من إسكاتِه ووأد الكلمة في مقبرة العنجهية والسطو والغطرسة والجهل القادمة من أقاصي الكهوف والجبال..
فتحي ليس مجرد قلم، بل لسان الشعب، ونبض المقهورين، وحبر المسحوقين، ومعاناة المظلومين...
دمت شامخاً، وسُحقاً لكل من يريدون إخراسك، ولا عزاء لمن ينتظرون سقوطك ولم ينطقوا ببنت شفة..