حوطة سلطانة بنت علي
مسعود عمشوش
بعد أن تخرج من سيؤن باتجاه الشرق وتتجاوز بلدة مريمة التي أصبحت اليوم أحد أحياء سيؤن، تشاهد على يمينك في الجنوب بلدة صغيرة، إنها حوطة (حوطة سلطانة)، التي كثيرا ما ترددتُ عليها منذ أن ولدت، أما برفقة الوالدة وحشدٍ من النساء التي كنّ يحرصن على زيارة ضريح الشيخة سلطانه بين الحين والآخر، أو خلال (زيارة بت علي) التي أصبحت اليوم احتفالا دينيا وتجاريا سنويا كبيرا يقام في آخر اثنين من أيام نجم (سعد خبا)، الذي يقع بين 5 و 17 سبتمبر من كل عام ميلادي، ويحرص على حضوره عدد كبير من الحضارم. (اذكروا جيّدا التاريخ والموعد!).
وقبل القرن التاسع الهجري (الخامس عشر ميلادي)، كانت حوطة سلطانة تسمى (العُر)، والمساحة التي شمالها تسمى بادية العُر، مثلما كانت منطقة شعب أحمد (نسبة إلى المهاجر أحمد بن عيسى المهاجر المقبور في سفح جبلها)، التي تقع شرقيها كانت تسمى الحسيسة.
وقد ولدت الشيخة سلطانة بنت علي الزبيدي الحارثي الكندي سنة 780 هـ 1378م، بهذه البادية التي كان يسكنها آل الزبيدي من قبائل كندة. وبما أنها كانت تميل إلى الحياة الهادئة فقد رفضت الزواج وحياة البداوة، واهتمت بسماع أخبار الصالحين وأحوالهم، وواظبت على متابعة نشاطهم في القرى والمدن المجاورة، لاسيما أن بعضهم كانوا يمرون بتلك البادية بانتظام. كما سعت سلطانة إلى حضور بعض حلقات العلم والدعوة إلى الله، وأخذت تميل إلى حياة التصوف سلوكا وحالا. وكان الشيخ العلامة الناسك محمد بن عبدالله القديم باعباد، من الغرفة، هو أول من اتصلت به من المشايخ الصوفية، ثم اتصلت بالشيخ عبد الرحمن السقاف وأولاده.
وقد نظمت الشيخة سلطانة بعض القصائد الصوفية عبّرت فيها عن مشاعرها بصدق، وتتغنى في معظمها بالمحبة الإلهية وطاعة الله، وفي قليل منها مدحت شيوخها وعظمت أحوالهم ومقاماتهم. منها هذه الأبيات:
ألا يا مرحبا بالمقبلينا *** وبالشيخ الذي فيهم يضينا
سراجٌ عند ظلمات الليالي *** يسلي كل من قلبه حزينا
لأنه خاض في بحر المحبة *** وحافظ سادته عهداً مكينا
ألا يا رب فانفعنا بجاهه *** نعم يا رب إنا مذنبينا
و نختم بالصلاة على محمد *** صلاة دائمة في كل حينا
وكان للشيخة سلطانة دورٌ مهمٌ في نشر العلم، وقد ذكرت كتب التراجم أنها بنت رباطها في بلدتها ولكنهم اختلفوا في ماهيته ووظيفته، فبعضهم وصفوه بأنه رباط علم وطلب وإيواء للدارسين، ومنهم من وصفه بأنه (رباط للفقراء) لإنزال الضيوف والغرباء وإعانة المحتاجين. وقد بقي هذا الرباط المذكور بعد وفاة الشيخة سلطانة سنة 847 هـ 1442م، عن عمر ناهز الستين عاماً، ودفنت وسط بلدة العر التي أصبحت منذئذ تعرف بحوطة سلطانه. وأقام لها الناس ضريحا كبيرا فوق قبرها، وصار مزاراً لمريديها وأتباعها من مختلف الفئات.
وتجدر الإشارة إلى أن بعض كتب تاريخ حضرموت التي ذكرت بعض كرامات الشيخة سلطانة بنت علي قد منعت من دخول الأقطار، تمّ إدخالها بعد حذفها. من تلك الكرامات أنها قد قبرت نفسها بنفسها، فوق سوم في شرق البلدة وذلك بعد أن انتهت المهلة التي منحها إياها أخوها لقبول واحد من الخطاب الذين طلبوا يدها.
واليوم هناك كثير من الحضارم، رجلا ونساء، (يتبركون) بالشيخة سلطانة بت علي، وينذرون لها النذور، وهناك من يؤكد أن السفينة التي عاد بها من السفر نجت الغرق بفضلها.
وكثير من جداتنا وأمهاتنا في حضرموت كن في الصباح يرددن يا سطانة يا بت علي كل حاجة باتنقضي!
وللشيخة سلطانة اليوم بعض المزارات خارج الحوطة، منها (علب سلطانه بت علي) الذي يقع غربي وادي بن سلمان في تاربة. وقد كتب المؤرخ عبد الرحمن بن عبيد الله السقاف في كتابه (إدام القوت): "سلطانة بنت علي الزبيدي من أكابر الصالحين، لها عبادات وأحوال تشبه أحوال رابعة العدوية". ص757
يا سلطانة با بت علي!
