ورطة واشنطن في المنطقة العربية!
خلال حكم الرئيس علي عبدالله صالح (رحمه الله)، كان هناك تعاون وثيق بين اليمن والولايات المتحدة لمحاربة الإرهاب. بدأ بصورة وثيقة بعد عملية استهداف المدمرة الأمريكية يو إس إس كول في ميناء عدن، أثناء تزودها بالوقود في 12 أكتوبر عام 2000م، والتي تبناها تنظيم القاعدة (حركة إسلامية سنية).
بعد ذلك قدمت الولايات المتحدة معدات عسكرية للقوات المسلحة اليمنية، في إطار خطة دولية شاملة لمحاربة الإرهاب.
ولكن تعريف الإرهاب للأسف اتخذ صورا متعددة، فذهبت كل دولة لتركيب تعريف خاص بها، انطلق من مصالحها الذاتية، لا من مصالح العالم المشتركة.
ولذا ظلت واشنطن خلال عشرة أعوام من 2004ـ 2014م تشترط بقوة على صنعاء عدم استخدام معوناتها العسكرية للقضاء على تمرد الجماعة الحوثية الشيعية المتمردة على الدولة، وحصرت فقط استخدامات تلك المعونات على المناطق الجنوبية والشرقية من اليمن، ضد الجماعات المسلحة السُنية؛ كونها كانت واثقة أن إرهاب الحوثيين سيظل حبيسا داخل اليمن ولن يطال مصالحها ومصالح حلفائها.
السبب في ذلك أنه خلال فترة طويلة، تمكنت الجماعات الإسلامية الشيعية من إقناع واشنطن خاصة والغرب عامة بأن الخطر على الغرب لن يأتي من قبلها، بل من قِبل الجماعات الإسلامية السُنية. وكانت أحداث ال 11 من سبتمبر عام 2001، وحادثة استهداف المدمرة الأمريكية كول، شواهد حية على تلك الأقاويل والتأكيدات، بينما تحالفت إيران وجماعاتها الشيعية المسلحة معها لإسقاط العراق وحكم طالبان في أفغانستان، بل وأفتى السيستاني بحرمة استهداف القوات الأمريكية في العراق، على خلاف التنظيمات المسلحة السنية، التي خاضت حربا طويلة ضد الوجود الأمريكي في العراق، وكانت عملياتها تضرب أهدافا خارج المنطقة العربية.
وجدت واشنطن في أنشطة إيران المزعزعة لأمن واستقرار دول المنطقة العربية ومشاغباتها، وتمدد ميليشياتها فرصة لتحقيق مصالح هائلة؛ جراء بيع الأسلحة والتدريب وتقديم الاستشارات لدول الخليج المتضررة من تلك الجماعات المذهبية، ضاربة بمصالح شركائها عرض الحائط.
بل أن الولايات المتحدة رمت بكل ثقلها للحيلولة دون سقوط الجماعة الشيعية الحوثية المسلحة في اليمن، ومنعت القوات الحكومية اليمنية والتحالف من دخول صنعاء والسيطرة على الحديدة، وبذلك عرقلت وأجهضت مساعي الحكومة اليمنية ودول التحالف العربي بقيادة الرياض من استعادة الدولة اليمنية، ووقفت واشنطن ضد تلك العمليات العسكرية الشرعية والمشروعة والقانونية والأخلاقية؛ التي وُجهت لتخليص اليمن والمنطقة من نيران وسموم العصابة الحوثية الإرهابية.
استمرت تلك السياسة الأميركية الأنانية سنوات طويلة حتى قام الأمير الشاب محمد بن سلمان ولي العهد السعودي بقلب الطاولة عليها، عندما توجه بطائرته الملكية صوب الشرق، (الصين وروسيا)، لينهي بذكاء حقبة سوداء من اِبتزاز البعيد وتآمر القريب، بعد أن تأكد أن أمن بلاده صار سلعة يتسلع بها الصديق ويتسلى بها الحليف ويتاجر بها العدو.
بعد أن تضخمت مصالح إيران، وسمنت ميليشياتها في المنطقة العربية، آن أوان للخطوة الثانية من خططهم للتوسع في المنطقة، فخرج إرهابهم من نطاقه المحلي إلى النطاق العالمي، فوجهوا ضربات قاسية ضد مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة العربية، بعد أن أثخنوا الجسد العربي بالجراح وأنهكوا قواته المسلحة.
هنا وجدت واشنطن نفسها في ورطة مواجهة مباشرة مع تلك الأخطار، في الوقت الذي تحولت فيه الرياض إلى موقع الناصح لها، بضبط النفس وعدم جر المنطقة إلى حرب شاملة، وتفضيلها لمسارات السلام على ساحات الحرب، كما كان حالها (واشنطن) بتعاملها مع الرياض أثناء محاولة القوات السعودية مساعدة اليمنيين على القضاء على الإرهاب الحوث إيراني في بلادهم، وتخليصهم والمنطقة والعالم من تطرف ديني مسلح؛ ينمو يوما بعد آخر.
اليوم بدخول القوات المسلحة الأمريكية والبريطانية في مواجهات مباشرة مع تلك الميليشيات الشيعية في اليمن؛ باعتقادي ستمنح هذه الخطوة تلك العصابات مبررات لتجييش اليمنيين لخوض حرب طويلة معهم، هروبا من أدخنة جرائمهم في الداخل اليمني، ولتصدير فشلهم الداخلي إلى الخارج، وسيعطيهم الحجج الدينية لاستهداف الغرب ومصالحهم في البر والبحر، وسيمنحهم الذرائع لقمع اليمنيين بمبرر أنهم في "جهاد مقدس مع الكفار"!
خصوصا أن العمليات العسكرية الأمريكية البريطانية الحالية ضد العصابات الحوثية تستهدف فقط ضمانة إعادة تموضع تطرفها من البحر إلى البر اليمني وليس القضاء عليه، أو القضاء على قياداته المتطرفة.
بعد أن ثبت للجميع فشل سياسات إضعاف الحكومات الوطنية والمؤسسات العسكرية لدول المنطقة العربية لصالح الجماعات الشيعية المسلحة، وأن التلاعب بملف الأقليات في الدول العربية من قبل بعض الدول الخارجية، والاتكاء على جماعات إسلامية متطرفة لضرب جماعات إسلامية أخرى كالذي يكافح النيران بالبنزين، صار الأمر يتطلب توقيف تلك السياسات الكارثية على أمن ومصالح الجميع.
وفي اعتقادي أن السياسة الأنسب لتحقيق الأمن والاستقرار لمنطقة شبه الجزيرة العربية، تتمثل في دعم الحكومات الوطنية، وتقوية مؤسساتها الأمنية والعسكرية، وهي المخولة قانونا، والأقدر على القضاء على الإرهاب والتطرف الديني بجميع صوره وأشكاله ومنابعه، والعمل الجماعي الموحد لتوقيف عجلة الإرهاب والتطرف في كل مناطق الشرق الأوسط، وفي مقدمتها المناطق المحتلة في فلسطين، وهنا ستتحقق مصالح الجميع، ومنها مصالح دول العالم في المنطقة وتأمين الملاحة الدولية في مياهها، وستتوارى وتختفي الجماعات الدينية المتطرفة، إن اختفت مسببات ظهورها، وجفت منابع تمويلها، وأُغلقت مطابخ تسمينها.
نسأل الله الأمن والسلام للجميع.