قوت الطالحين في حضرموت  

مسعود عمشوش

عادة ما يتم الربط بين الصوفيين ودخول القات من الحبشة إلى اليمن. ويقال إن مخدر أو منبه القات استُخدم حينذاك من قبل بعض المتصوفة لتكثيف تجربتهم الروحية وتسهيل الشعور بالاتحاد مع الله. وأطلقوا عليه: (قوت الصالحين). لكن من المؤكد أن القات لم يعد يرتبط بشكل مباشر بممارسات الصوفية الحديثة وأنما كمنبه ومنشط ووسيلة للتجمع ولقاء الأقارب والأصدقاء.  

وعلى الرغم من الفتاوى الكثيرة التي تفنن اليمنيون في إصدارها بشأن تحليل تناول القات، وتمكين متناولينه (المخزنين) من الجمع بين صلاتي الظهر والعصر، فقد جعل الشيخ عبدالله العبدالرحمن الغديان عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية القات في مرتبة الخمر وقرر أنه "بناءً على ما سمعناه من المضار و ما ذكر من المنافع وكذلك ما سمعه الحاضرون أيضا، وما أشرت إليه من الآثار السابقة فإن مضاره أكثر من منافعه، وما كان كذلك وجب منع زراعته وبيعه ونقله واستعماله، وما كان فيه من المنافع فقد أهدرها الشارع كما أهدر المنافع القليلة في الخمرة على ما سبق بيانه من الأدلة، والقات باعتبار آثاره السيئة الراجحة على منافعه يندرج تحت قاعدة تحريم الخمر وقاعدة تحريم الخبائث وقاعدة تحريم الضرر، وهذا بالإضافة إلى ما جاء فيه من دليل يدخل في عمومه وهو نهيه صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر".

وبالنسبة لحضرموت، من المعلوم أنه قد ظل محرما شرعا وقانونا فيها حتى قيام وحدة 22 مايو 1990. وقد ذكر مفتي حضرموت الشاعر عبد الرحمن بن عبيد الله السقاف أنه، خلال زيارته للإمام يحيى في صنعاء في ثلاثينيات القرن الماضي، قد أقدم على نظم أبيات ذم فيها القات وأن هناك من أسمع الإمام تلك الأبيات، فأضطر أن ينظم قصيدة يعتذر فيها عما قاله. وكتب في تقديمه لتلك القصيدة: "في تلك الأثناء تعرضت بالذم للقات؛ فرفع بعض العلماء عليً الدعوي؛ بطريق المطايبة؛ والمبالغة في التفتح والاسٽرسال. وفي المقام الشريف أُقترِح عليَّ مدحه؛ تكفيراً عن سالفة الذم. فلم يُطاوعني اللسان؛ على أكثر مما ترى في الأبيات، التي كتبڻها على هيئة الارتجال؛ مع الالتزام ۔ 

طابثُ لنا بابي الأشبال اًوقاتُ 

 يُكمّل الأنس في أثنائها القاتُ 

في روض مجڍ آکاليل الفخار به 

وفيه للزهر كالزهراء باقاتُ 

عطر يفوح وأنوار تلوح وأمواهٌ 

تسيح وأغصان وريقات...".

لكن، لكن، لكن، كان من بين أوّل وأسواء القرارات التي أصدرتها حكومة وحدة 22 مايو 1990، السماح بإدخال القات إلى حضرموت وذلك بهدف إفساد الحضارم وتمكين الساسة والعسكر القادمين من بلاد القات من تناول مخدرهم بشكل قانوني. وقد تسبب القات فعلا في تغيير كثير من عادات وسلوك الحضارم، كبيرهم وصغيرهم. وأصبح المقاوتة اليوم يبيعون القات في حضرموت بالريالات اليمنية والسعودية وبذهب الزوجات والأسلحة.

وإذا كان معظم رجال الدين بمن فيهم المتصوفين، لا يترددون بين الحين والآخر، في التذكير بمخاطر القات على الشباب، فليس منهم من تجرأ وتبنى موقف جميع رجال الدين في الأقطار الإسلامية غير اليمن الذين أفتوا بتحريمه. ويلاحظ أن كثيرا من رجال الدين النازحين والمتصوفين القادمين من البيضاء وقليل من الحضارم، يترددون على أماكن بيع القات، لاسيما تلك التي أخذت تنتشر في كثير من شوارع سيؤن والمكلا وتريم.

ويبدو أن الحضارم نسوا تماما أن القات كان ولا يزال في الواقع (قوت الطالحين)!!!