بعد تفكك داخلي حوثي!.. الجنرال العجوز يعود بقرار إيراني (عاجل) لضبط الفوضى بصنعاء
في أزقة صنعاء المظلمة، حيث تتقاطع خيوط السياسة مع حكايات الحرب والخيانة، تعود اليوم شخصية إيرانية بارزة لتعيد ترتيب أوراق الحوثيين بعد صدمة لم تشهدها الجماعة منذ سنوات. عبد الرضا شهلائي، الرجل الذي جاب ساحات النزاعات الإقليمية، عاد إلى اليمن ليس كضيف عابر، بل كحارس للسلطة ومُعيد للتوازن في بيت مشتعل بالصراعات الداخلية. الضربات الإسرائيلية الأخيرة، والانكشافات الأمنية التي هزّت الجماعة، لم تترك أمام إيران خياراً سوى التحرك مباشرة، لتحويل حالة التصدّع إلى فرصة لإعادة السيطرة، ولتأكيد أن نفوذها في اليمن ما زال حاضراً رغم كل العواصف...
تقرير (الأول) المحرر السياسي:
كشفت مصادر سياسية يمنية رفيعة أن إيران كثّفت تحرّكاتها العسكرية والأمنية في اليمن خلال الأسابيع الأخيرة، في محاولة لإعادة ضبط نفوذها داخل الجماعة الحوثية وتعويض ما وصفته المصادر بـ«الاختلالات الاستراتيجية» التي لحقت بمحور طهران في لبنان وسوريا. ويأتي ذلك في أعقاب سلسلة ضربات إسرائيلية غير مسبوقة استهدفت مواقع حساسة للجماعة، وأسفرت عن مقتل رئيس حكومتها وتسعة من وزرائها ورئيس أركان قواتها، إلى جانب عدد من أبرز قياداتها العسكرية والأمنية.
وأبرز هذه التحركات، ما كشفته منصة «ديفينس» المتخصصة في الشؤون العسكرية، بشأن عودة القيادي البارز في «الحرس الثوري» الإيراني عبد الرضا شهلائي إلى صنعاء، بعد عام من مغادرته اليمن. وبحسب المنصة، فإن إعادة شهلائي تهدف إلى الإشراف المباشر على معالجة الآثار الأمنية والعسكرية التي خلّفتها الضربات الإسرائيلية، وعلى رأسها الانكشاف الأمني الواسع داخل الجماعة، واهتزاز صورتها أمام جمهورها الذي اعتاد رواية «التحصين الكامل» للمنظومة الحوثية.
تصدّع داخلي وصراع أجنحة
وتؤكد المصادر اليمنية في صنعاء وعدن أن الحوثيين يعيشون اليوم مرحلة «ارتباك داخلي حاد»، تزامن فيها تصاعد الصراع بين مراكز النفوذ على السلطة والمال مع تنامي الاحتقان الشعبي الناتج عن اتساع رقعة الفقر وتدهور الأوضاع المعيشية. وتضيف أن هذه التحديات دفعت إيران إلى التحرك سريعاً لـ«ضبط الإيقاع الحوثي» ومنع اتساع الشروخ داخل بنية الجماعة، والعمل على تحويلها إلى مركز نفوذ إقليمي يعوّض خسائر طهران في ساحات أخرى.
عودة شهلائي، الذي رصدت الولايات المتحدة مكافأة تصل إلى 15 مليون دولار لمن يقدّم معلومات تؤدي إلى تحديد موقعه، تأتي – بحسب المصادر – ضمن خطة إيرانية لـ«استعادة السيطرة المباشرة على الملفين الأمني والعسكري» بعد فشل العناصر الإيرانية الموجودة داخل اليمن في التعامل مع تداعيات الاختراقات الأخيرة، بل ومساهمتهم في تأجيج الصراع الداخلي من خلال طرح خطة لـ«تطهير أجهزة المخابرات الحوثية» بذريعة وجود اختراقات عالمية واسعة في صفوفها.
وقد أُسند تنفيذ هذه الخطة إلى علي حسين الحوثي، نجل مؤسس الجماعة، وبدعم من يوسف المداني رئيس أركان قوات الحوثيين الجديد، ما فتح الباب أمام صراع واسع داخل بنية الجماعة، خصوصاً مع رفض القيادي النافذ عبد الله الرزامي الذي يحتفظ بقوة عسكرية ضخمة جنوب صنعاء منذ 2017. ويُعرف الرزامي بأنه «دولة داخل الدولة الحوثية»، إذ يدير مكتباً خاصاً لحل النزاعات ومنع المحاكم الرسمية من النظر في القضايا المتعلقة بأتباعه.
في المقابل، يبرز جناح آخر يقوده عبد الكريم الحوثي، وزير داخلية الجماعة وعمّ زعيمها، الذي اختفت أخباره منذ 25 أغسطس، فيما يقف جهاز الأمن والمخابرات بقيادة عبد الحكيم الخيواني في قلب الصراع، بعد اتهامه بالمسؤولية عن الاختراقات التي أدت إلى قتل قيادات بارزة، بينها استهداف أحد المخابئ السرية لعبد الملك الحوثي في صعدة.
فراغ استراتيجي بعد مقتل نصر الله
وتشير منصة «ديفينس» إلى أن إعادة شهلائي جاءت أيضاً لـ«سد الفراغ الاستراتيجي» الذي تركه مقتل الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني حسن نصر الله، الذي كان «ضابط الإيقاع» لشبكة العلاقات الخارجية للجماعة الحوثية، بحكم خبرته الإقليمية وصلاته الواسعة داخل منظومة المحور الإيراني. وتؤكد المصادر اليمنية أن عبد الملك الحوثي فقد بوفاة نصر الله «مرشده الأول»، الذي كان يعتمد عليه في اتخاذ القرارات الكبرى عبر قنوات مباشرة وغير مباشرة.
وتصف المصادر زعيم الحوثيين بأنه «متعطّش لدور إقليمي»، لكنه يفتقر إلى الخبرة الاستراتيجية ويعتمد أساساً على القرارات العسكرية لا السياسية، على عكس نصر الله الذي جمع بين الكاريزما والتأثير السياسي. وترى أن توقف حرب غزة واهتزاز المشهد الإقليمي وضع الحوثي أمام نتائج انخراطه العميق في صراع لا يمتلك أدواته، ما دفع إيران إلى إعادة شهلائي لـ«إعادة ترتيب البيت الحوثي ومنع انفلات مراكز القوى».
الحوثيون… الذراع الأكثر حيوية لطهران
وتختتم المصادر تقييمها بالقول إن طهران باتت تنظر إلى الحوثيين اليوم باعتبارهم «الذراع الأكثر حيوية» لها، بعد الخسائر التي مُني بها المحور في لبنان وسوريا. وترى أن نجاح شهلائي في مهمته سيعيد ترسيخ الجماعة كمركز نفوذ إيراني أول في جنوب الجزيرة العربية، رغم ما يبدو من تماسك خارجي يخفي تحته «تصدعات أمنية وسياسية غير مسبوقة».
