(رأينا الجحيم في غزة).. ما أثر تداعي معنويات جيش الاحتلال على حكومته؟
البطولة والشجاعة والتحدي والإصرار على القتال التي أبداها جنود المقاومة، ودافعيتهم للقتال سجلت نجاحاً باهراً مقابل تراجع الروح القتالية للجنود، وفق آخر استطلاعات للرأي ما قبل طوفان الأقصى بل وازدادت بعد الطوفان..
(الأول) تقرير / كامل جميل:
جميع المؤشرات القادمة سواء من تل أبيب أو غزة، تؤكد أن جيش الاحتلال يعاني مشكلة كبيرة تمنعه من مواصلة القتال في القطاع؛ وأبرز أسباب ذلك ضعف الروح المعنوية لدى الجنود والضباط.
واحد من الأسباب الدالة على انخفاض الحالة المعنوية ومحاولة قادة الاحتلال عدم انحدارها أكثر، هو عدم الإعلان عن حقيقة الخسائر بالأرواح التي تكبدها الجيش في غزة.
وأظهر الموقع الرسمي للجيش الإسرائيلي أن حصيلة القتلى في صفوفه ما بين ضباط وجنود بلغ 395 قتيلاً، منذ بدء عملية "طوفان الأقصى".
لكن تلك الأرقام يُجمع المراقبون على أنها ليست حقيقية، لا سيما أن ما تبثه كتائب القسام من مقاطع فيديو لعملياتها ضد الجنود الإسرائيليين، يؤكد أن أرقاماً كبيرة لعدد الضحايا الذين سقطوا في صفوف الإسرائيليين لم يُكشف عنها، يضاف إليها عدد كبير آخر من الآليات العسكرية المختلفة التي خرجت العديد منها من الخدمة.
خوف الضباط
انخفاض معنويات جيش الاحتلال يؤكده هروب اثنين من القادة الإسرائيليين الكبار خلال اشتباكات مع عناصر من كتائب القسام في غزة، في وقت يتطلب أن يكون القادة مثالاً للجنود في ارتفاع المعنويات القتالية.
جيش الاحتلال الإسرائيلي ونتيجة لهروب القائدين اتخذ قراراً بإقالتهما؛ لتسببهما بخسائر كبيرة بعد وقوع قوتهما في كمائن الفلسطينيين بغزة.
وبحسب موقع "يانيت" العبري، فإن قائد سرية ونائبه أقيلا بعدما انسحبا من معركة وقعت في شمال غزة، في أوج العملية البرية؛ إثر مواجهة سريتهما عشرات المقاتلين الفلسطينيين.
ووفق "يانيت" فإن القضية خلقت أزمة شديدة بين قادة السرية والمقاتلين الذين يخدمون تحت إمرتهم، حيث قرر نصف الجنود بالوحدة المذكورة عدم العودة للخدمة فيها تضامناً مع قائدهم، الذي أبعده الجيش.
اللواء المذكور فقد الكثير من جنوده خلال المعارك في غزة، من بينهم أحد كبار الضباط، فضلاً عن إصابة آخرين بجراح متفاوتة، إضافة لإصابة الكولونيل المسؤول عن اللواء، بحسب "يانيت".
أما جنود السرية، الذين بقوا دون القيادة التي فرت من المعركة فقالوا للموقع العبري: "دخلنا إلى منطقة ملغمة، وكان هناك العديد من المخربين (مجاهدو حماس) وقاموا بإطلاق صواريخ من طراز (آر.بي.جي)، ولم يتوقف إطلاق النار الكثيف بتاتاً".
في شأن ذي صلة بما سبق، تذكر صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن جنوداً إسرائيليين وصفوا ما واجهوه في الحرب البرية على قطاع غزة بـ"الجحيم"، وأنه أدى إلى مقتل وإصابة المئات منهم.
ونقلت عن جنود قولهم إنهم وقعوا في كمين للمقاومة وعاشوا لحظات "جهنمية"، بحسب وصفهم.
وقالوا: "استعددنا استخباراتياً للمواجهة، بشكل عام، مع توقع عدد قليل جداً من المقاتلين".
وأضافوا أنه "بشكل مفاجئ فُتحت نيران جهنمية نحونا من أسلحة رشاشة وأسلحة خفيفة وقذائف آر بي جي، من اتجاهات مختلفة ومن قبل عشرات المقاتلين".
وأكدوا أن المعركة الهجومية تحولت إلى سباق للإنقاذ فقط، مشيرين إلى "استعداد غير جيد للمعركة".
محاولات لرفع المعنويات
رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، ووزير الحرب يوآف غالانت، يسعيان كثيراً إلى رفع الروح المعنوية لجنود الاحتلال الموجودين في شمال غزة، إلا أنهما يفشلان.
وزار نتنياهو جنود الاحتلال في قطاع غزة، وتحدث معهم لرفع معنوياتهم، كذلك فعل غالانت ورئيس الأركان هرتسي هاليفي ومسؤولون إسرائيليون كبار آخرون.
وتأتي هذه الزيارات أيضاً في إطار تهدئة روع الإسرائيليين المدنيين، وطمأنة الإعلام المحلي، لا سيما مع عدم وجود ثقة بأن جيش الاحتلال يسيطر على شمالي غزة.
وسبق أن شككت صحيفة "يديعوت أحرنوت" في وعود نتنياهو وغالانت باحتلال كامل شمال قطاع غزة، وصولاً إلى خانيونس وحي الزيتون وجباليا.
واستبعدت الصحيفة في تقرير لها قبيل بدء الهدنة في 24 نوفمبر 2023، أن يحقق غالانت وعده المعلن للإسرائيليين بالقضاء التام على حركة "حماس"، وتفكيكها.
ولفتت "يديعوت" إلى وجود "فجوة واضحة" بين القيادة العسكرية والأمنية وبين المقاتلين الإسرائيليين على الأرض في غزة.
وأشارت إلى أنه توجد أغلبية في القوات داخل غزة ترغب في الخروج من القطاع والعودة إلى منازلهم.
ونقلت الصحيفة عن ضابط كبير قوله إن قيادة جيش الاحتلال ستمنع الجنود من الحصول على إجازة خلال الهدنة، خشية من هبوط معنوياتهم في حال التقوا بأسرهم.
كما نقلت الصحيفة أيضاً عن جريحين اثنين من جيش الاحتلال، قولهما إنهما لا يرغبان في العودة إلى جبهات القتال في غزة.
صدمة (طوفان الأقصى)
الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني د. شرحبيل الغريب، رئيس منتدى العلاقات الدولية للحوار والسياسات، الذي تحدث لـ"الخليج أونلاين"، يرى أن عملية "طوفان الأقصى" شكلت صدمة كبيرة عسكرية واستخباراتية للاحتلال وقادته، وأدخلت كل مفاصل دولة الاحتلال في حال ارتباك غير مسبوق.
ويؤكد الغريب أن من قاد الرد على هذه العملية هي أمريكا التي وضعت الخطة، وتمثلت في اجتياح بري كمرحلة ثانية، لافتاً إلى أن "كل آراء المراقبين داخل دولة الاحتلال كانت تشير إلى ترهل في الجيش الإسرائيلي واستنكاف آخر؛ نتيجة الأزمة الداخلية".
واعتبر أن هذه المعطيات "أثرت على وضع جيش الاحتلال الذي دخل المعركة مع حماس وهو غير جاهز، وينقصه كثير من الخبرة الكافية والتدريبات، والذي انعكس على أدائه في غزة وسجل فشلاً كبيراً وإخفاقات أدت لإقالات عدد منهم".
من جانب آخر، يرى الغريب أن "البطولة والشجاعة والتحدي والإصرار على القتال التي أبداها جنود المقاومة، ودافعيتهم للقتال سجلت نجاحاً باهراً، مقابل تراجع الروح القتالية للجنود، وفق آخر استطلاعات للرأي ما قبل طوفان الأقصى، بل وازدادت بعد الطوفان".
كما يرى أن الخسائر الكبيرة التي تكبدتها "إسرائيل" منذ 7 أكتوبر وما بعدها، وخلال الحرب البرية، كانت سبباً رئيسياً في اتخاذ قرار بالقبول بوقف الحرب والذهاب لهدن متتالية مع المقاومة الفلسطينية و"حماس".
ويقول إن مصادقة رئيس أركان الاحتلال على مواصلة المناورة البرية في قطاع غزة، إنما هي "مناورة سياسية لتحسين شروط التفاوض في الدوحة".
وأضاف: "في تقديري إذا أصر الاحتلال الإسرائيلي على استئناف الحرب على غزة فسيضيف جرائم جديدة ضد المدنيين إلى جانب جرائمه السابقة التي ترتقي إلى مستوى حرب الإبادة والتطهير العرقي، وسيضيف أيضاً هزيمة جديدة إلى جانب هزيمته السابقة قبل الاضطرار لقبول الهدنة والخضوع مجدداً لشروط حركة حماس".